مدحت بشاي
في سطور من تاريخ العلاقة بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وفرعها في أثيوبيا، كان لمجلة « صهيون» فضل السبق في بحث هذه المسألة الكنسية الهامة ، من كل نواحيها ، إذ أظهرت جميع ظروفها، وطبقت كل ما حدث على قوانين الكنيسة، وقرارات المجامع المقدسة، ولجأت إلى التاريخ القديم والحديث، لتضفي ضوءًا وهاجًا على العلاقة التاريخية المتينة بين الكنيسة القبطية وربيبتها الكنيسة الأثيوبية ، ومن حق قرائنا علينا أن نسجل لهم باقي المراحل التي سارت فيها هذه المسألة إلى يومنا الحاضر :
في عدد المجلة ( يوليو 1946 ) مقالًا حول المسألة الأثيوبية ،جاء فيها « لقد صمم المتطرفون وجلهم من المنتمين إلى الكنائس الأجنبية على فصل الكنيستين ، ولما كانوا أقلية ضئيلة بأديس أبابا لم يستطيعوا أن يظهروا رغبتهم هذه للشعب ، ولذلك مهدوا لذلك بمقالات وإذاعات أخذوا ينشرونها تباعًا في جرائدهم وحشوها كثيرًا من المغالطات ليؤثروا على الرأي العام الأثيوبي ، وأهم ما في تلك الدعايات ما يأتي :
أولاً : أن أثيوبيا دولة مستقلة ، ذات كيان سياسي مستقل ، يحكمها إمبراطور وحكومة أثيوبية مستقلة ، فكيف لا تكون كنيستها مستقلة ، ويكون بطريركها أثيوبيًا مستقلاً ، وكيف تلجأ في طلب رئيسها الديني من الأقباط بمصر وهم أقلية سياسية حتى في بلادهم .
ثانيًا : أن مطارنة الأقباط لم يخدموهم في جميع القرون الماضية ، وتركوهم في جهل مطبق ، ولم يسعوا في رفع شأنهم دينيًا وأدبيًا وثقافيًا ، في حين أن الإرساليات الأجنبية تنشئ المدارس ، والكنائس ، والمستشفيات .
ثالثًا : أن هؤلاء المطارنة يجهلون اللغة الأمهرية، فلا يستطيعون أن يؤدوا مهمتهم الخطيرة خير تأدية .
هذه هي كل الأسباب التي ظلوا يكررونها ، ويعيدون نشرها في السنتين الماضيتين ، ليؤثروا على الرأي العام الأثيوبي ، لكي يجاريهم في نزعتهم الانفصالية ، ويثور على الكنيسة القبطية ، ولكن الأثيوبيين الأذكياء المتدينين لم يقتنعوا بمثل هذه الأسباب الواهية : لأنهم دولة مستقلة ، وكانوا كذلك مدة 1600 سنة ، ولكن هذا الاستقلال الذي لم تشبه شائبة في كل هذه العصور لم يمنع كنيسة أثيوبيا أن تستمد رؤساءها ومواهب الروح القدس من الله على أيدي رؤساء الكنيسة المرقسية بمصر ، بالرغم من أن مصر لم تتمتع بالاستقلال التام يومًا واحدًا في كل هذه المدة الطويلة ، ويعلمون أن دول أوروبا وآسيا وأمريكا العظيمة لم يمنعها استقلالها السياسي من أن تستمد سلطانها الديني من بابا روما ، ويعلمون بل ويتأكدون أن مطارنة الأقباط في كل هذه المدة الطويلة خدموا الكنيسة الأثيوبية بإخلاص نادر ، وتفانوا في رعاية الأثيوبيين، وضحوا بحياتهم ومواهبهم في سبيل صيانة العقيدة الأرثوذكسية سالمة إلى يومنا الحاضر ، ويوقنون أنه لولاهم لزالت هذه العقيدة من أثيوبيا وانتشرت البدع، ولاستولت عليها الكنائس الأخرى ، بل ويعلمون فوق ذلك أن ما يتمتعون به من الاستقلال السياسي وليد تمسكهم بالكنيسة القبطية التي ليس لها غرض سياسي، بل كل أمانيها الخدمة الدينية المحضة ..
وفي عدد قادم تكملة لبيان جوانب من تلك العلاقة ..
medhatbeshay9@gmail.com
نقلا عن الوفد