كتب – روماني صبري
بعد تفشي فيروس كورونا التاجي المستجد، بكل بلدان العالم لاسيما الدول الأوروبية التي تعاني انهيار الاقتصاد جراءه، راح الكثيرون يستعيدون نبوءات الطبيب والمنجم الفرنسي الشهير، ميشيل دي نوستراداموس، معتبرين أنها تحققت الآن ومنها : نبوءة ضعف الغرب، كون روسيا والصين تقاومان أزمة الفيروس بصمود وقوة عكس الغرب إلى جانب نمو اقتصاد البلدين ودول آسيا، وكذا نبوءة السيول والفيضانات رابطين إياها بموجة الطقس السيئ الذي ضرب مصر وبلدان أخرى مؤخرا، ويتحدث نوستراداموس في كتابه والذي طرحت الطبعة الأولى منه عام 1555، وحققت شهرة عالمية، عن الأحداث التي اعتقد أنها ستحدث في زمانه وإلى نهاية العالم الذي توقع أن يكون في عام 3797 م. وكان يقوم بكتابة الأحداث على شكل رباعيات غير مفهومة، وهذه النبوءات في بعض الحالات تم نسبها كنتائج لتفسير رموز الكتاب المقدس Bible code، فضلا عن أعمال تنبؤية أخرى، ومعظم المصادر الأكاديمية تتحفظ على أن الجمع بين الأحداث العالمية وتنبؤات نوستراداموس في الرباعيات
البداية
شهد يوم 14 من ديسمبر عام 1503 ولادة ميشيل دي نوستردام بفرنسا، ولم تكن أسرته تنتمي إلى سلسلة الأطباء اليهود الإيطاليين الشهيرة التي تعمل في بلاطي الملك رينيه الأنجوي وابنه، كما كان يسود الزعم -إنما أناس من نسب عادي من المناطق التي تحيط ببلدة أفينيون، عام 1512 قررت أسرته ترك العقيدة اليهودية واعتناق الديانة المسيحية الكاثوليكية وكان نوستراداموس وقتها قد بلغ التاسعة من عمره، فيما أدرج والده عام 1512م على أنهما عضوان في الجماعة المسيحية الجديدة.
كان هو الابن الأكبر وكان له 4 أخوة، وكان متقد الذكاء في شبابه، علمه جده جان،قواعد اللاتينية والإغريقية والعبرية وأصول الرياضيات والتنجيم الذي يسميه نوستراداموس " العلم السماوي"، وعندما غيب الموت جده عاد إلى دار والديه في شارع باري، فحاول جده الآخر مواصلة تعليمه وبعد ذلك بوقت قصير أرسل إلى بلدة أفينيون للدراسة، ولعله بقى مع بعض من أبناء أعمامه الكثيرين في تلك البلدة، وبسبب إظهاره الاهتمام بعلم التنجيم أصبح هو الحديث الشائع بين زملائه الطلبة.
نعم الأرض كروية
أبدى تأيده للنظرية (الكوبرنيكية) التي تقول بأن العالم كروي ويدور حول الشمس قبل مقاضاة العالم "غاليليو" بسبب الاعتقاد ذاته بأكثر من 100 سنة، وبسبب ذلك قلق عليه من موقفه هذا لأن ذلك العصر كان عصر محكمة التفتيش، كونه كان يهودي ووضع اليهود آنذاك كان ضعيفا، بعدها قرر والده إرساله إلى مونبيلييه لدراسة الطب وكان ذلك في العام 1522.
في القرن السادس عشر ضرب الطاعون الخبيث جنوبي فرنسا وأطلق عليه وقتها "الطاعون الأسود"، تصدى له نوستراداموس، فرأى فيه الناس رجل الله القوي الذي يواجه الطاعون بشجاعة ويعامل المرضى بكل إنسانية لاسيما الفقراء منهم، فعرف آنذاك بالرجل الشافي، كونه وزع الأدوية الخاصة على المصابين، إلى جانب ابتكاره طرق فعالة في العلاج.
ماساته مع الزواج
في عام 1534 تزوج ماري جورج فتاة من طبقة اجتماعية رفيعة، وتظفر بالكثير من الجمال، أنجب منها ولد وبنت، كانت حياته الزوجية تسير بوتيرة جيدة، وذات يوم ضرب الطاعون "اجن" مدينته فقتل زوجته وطفليه، فنزل به الحزن والاكتئاب، حيث رأى انه فشل في إنقاذ أسرته رغم انه أنقذ الكثيرين، بعدها تزوج بامرأة أخرى في العقد الخامس من عمرها فتأثرت بالطاعون وماتت هي الأخرى وتزوج بثالثه ثم ماتت حتى حرم الزواج على نفسه.
الكنيسة تتهمه بالهرطقة
في عام 1538 اتهمته الكنيسة بالهرطقة، كونه لم يعجبه صب تمثال برونزي للسيدة العذراء عمل عليه عامل، فأبدى عدم رضاه وقتها بقوله :" هل صنع العامل شيطان"، في إشارة واضحة إلى أن التمثال يخلو من العنصر الجمال فقط، وهكذا أرسلت محكمة التفتيش في طلبه من أجل أن يذهب إلى تولوز، فشرع نوستراداموس في التطواف من جديد، مبتعدا قدر الإمكان عن سلطات الكنيسة على مدى السنوات الست التالية، وفي هذه الفترة ذهب إلى اللورين والبندقية وصقلية مصراً على إيجاد المقاييس الصيدلانية لكل مكان ومدوناً أسماء كل من كان جيداً أو رديئاً بالنسبة لكتابه رسالة في الغيبيات، وفي عام 1566 غيبه الموت بعد إصابته بمرض القلب الوعائي.
وعندما توفي دفن واقفا في جدار في أحد جدران كنيسة كورديلييه في بلدة صالون، بفرنسا، لكن جثته تعرضت للنبش من قبل الجنود بعد أن اخرجوا نعشه ابان الثورة الفرنسية ، فأعيد دفن جثته في الكنيسة الأخرى في صالون، وهي كنيسة سان لوران حيث لا يزال يمكن رؤية قبره وصورته الشخصية المرسومة.