محمد حسين يونس
ولدت وسط المعمعة .. كان البشر يقتلون بعضهم البعض بكثافة غير معهودة .. وكانت اسلحة الدمار قد تطورت بحيث تستطيع طائرات النازى ان تقصف معسكرات الانجليز القريبة من منزلنا ليلا ونهارا .
لقد كانت الحياة شديدة القسوة .. علي عائلتي و اهل بلدى .. ورغم ذلك.و رغم كل هؤلاء الضحايا.. كان يمكن في صباى سماع دقات البيانو او عزف كمان او عود أو قانون قادم من منازل الحي اوأن أشاهد الصبايا من الجارات يرقصن علي دقات الطبول و تصفيق المشاهدين .
لقد كان المصريون رغم ضعف الامكانيات يتعلمون العزف و الغناء و كان الراديو يذيع الحانا متنوعة التأثير ما بين (برضاك يا خالقي لام كلثوم ) و اوبرتيت (علي بابا بعد الضنا لابس حرير في حرير )الي شعبيات كارم وحمودة و عبد العزيز وشهرزاد و(إديني معاد وقابلني ) و إنشودة الفن لعبد الوهاب
ياللي بدعتوا الفنون وفي إيديكم أسرارها .
دنبا الفنون دى خميلة ....و إنتم أزهارها .
و الفن لحن القلوب ...... يلعب بأوتارها .
و الفن دنيا جميلة ....... و إنتم أنوارها.
عندما كبرت واصبحت شابا كان من حظي أنني تتلمذت علي كتب سلامة موسي فكانت المرشد والدليل لتكوين فكرى ..مرتبط بحضارة البشر
لكن الاهم انني التحقت بقسم العمارة في كلية الهندسة لإصبح زهرة في الخميلة..بعد أن تعرفت من خلال الدراسة علي جميع اقسام الفنون ..
الموسيقي الكلاسيك و الرسم و النحت .. و كانت حياتي تدور حول الفنون .. و دراسة نظريات الجمال و تأمل إبداعات البشر ..
السيمفونية الخامسة لدفورجاك .. دوكاتا باخ .. تمثال دافيد او موسس لمايكل انجلو .. روائع دافنشي و جوجان و ماتيس ومحمود مختار بجوارمنحوتات رودان ..
كنت امضي الكثير من الوقت في مكتبة و متحف الفن الحديث استمع للموسيقي و استمتع بمشاهدة كتب عن الرسومات و المنحوتات .. و أجد في تصميم مدن ايطاليا روعة خصوصا هذا السحر القابع في فلورانسا و روما.. و كنت اتسائل ما قيمة الحياة بدون بحيرة البجع او جيانيه .. و ما شكلنا بدون سيلفادور دالي او فان جوخ ..أوكورال السمفونية التاسعة لبتهوفن
عندما اصبح في قدرتي السفر للخارج .. كانت قبلتي دائما ان اشاهد علي ارض الواقع ما شاهدته علي صفحات الكتب .. وكنت أعود من كل مكان ازوره بكتاب و اسطوانة و لوحة منسوخة او نموذج تمثال .
في شيخوختي .. إنقلب العالم بواسطة تكنولوجيا و علوم العصر .. و أصبح غير هذا الذى أعرفة .. لقد ظهر الكومبيوتر .. و الانترنيت ليصبح في قدرة اى شخص ان يدق علي زراير الجهاز فيسمع او يشاهد او يتعرف علي كم هائل متنوع من إلانتاج الفني للانسان ..
و لكن البشر للأسف في قريتي بعد طول معاناة من مغامرات الضباط الحكام تغيروا لم يعودوا بشرا يستمتعون بالفنون بقدر ما اصبحوا مشغولين بقطع الرقاب و تدمير الحياة و تحولت الفنون لديهم لسلعة تباع وتشترى .. تخاطب غرائز من يمتلك دفع قيمتها .. ليختفي تدريجيا عالمي الاثير ..
إظاهر إني طولت أكثر من اللازم فثمانية عقود مساحة زمنية ليست قليلة
إعتبارا من باكر .. و في وسط هذا الجو المشبع برائحة المرض و الفناء .. سيكون لنا حديثا يوميا .. عفويا غير مرتب عن الفنون عموما .. لا أقصد منه .. إلا تذكر أننا كنا في يوم من الأيام .. لدينا أيضا ما يميزنا .