أ. محمد سعيد: ما زال الطلبة الأقباط في حصة الدين المسيحي يتركون الفصل إلى أي مكان آخر، وهذا في حد ذاته له دلالة كبرى.
أ. طارق خاطر: المجتمع كله يمر بأزمة شديدة ومما يزيد من شدتها أن جهاز الدولة الرسمي يغذى هذه الأزمة وبالتالي سوف تزداد الإنبعاثات الكريهة لها.
د. فيروز عمر: هناك حوادث يمكن أن تكون مقصودة أو غير مقصودة لكن نتيجة للكبت والقهر الاجتماعي الذي نمر به يتم تفسير هذه الحوادث على أنها مقصودة.
تحقيق: ناهد صبري – خاص الأقباط متحدون
في السنوات الأخيرة ظهرت أحداث عنف كثيرة لتمزيق هذا الوطن وتشطيره، بعضها لأسباب بسيطة وبعضها لأسباب مفتعله وربما البعض لأسباب حقيقية، وتحول المجتمع من حاله السماحة والرضا إلى الانفجار والغضب وكأنه يعيش على فوهة بركان، سمعنا عن دور عباده تُحرق وعن عائلات تُقتل، بل وسمعنا لأول مره كلمه مسيحي ومسلم وكان الدين للجميع والوطن لله، وفي ظل التهميش الحكومي والكبت المتعمد أصبحت هذه الأحداث في تزايد مستمر.
هذا عن العنف الطائفي إلا أن هناك عنفًا لا يقل خطورة عن العنف الطائفي حيث أنه مع الحراك السياسي اليومي أصبحنا نرى الإضرابات والإعتصامات والمظاهرات بسبب القهر والكبت والظلم الواقع على البشر.
فهل سمحت لي قارئي العزيز أن أطرح بعض الأسئلة التي تدور في ذهني وفي ذهنك على بعض المتخصصين وذوي الشأن ليجيبوا عليها بموضوعية؟
في البداية يحدثنا أ. محمد سعيد "قيادي بلجنة الحريات بحزب التجمع" عن ظاهره العنف الطائفي في المجتمع المصري فيقول: الحقيقة أنه منذ حادث الزاوية الحمراء الشهير -وهو حادث مصطنع- انفجرت الفتنة الطائفية في مصر إلى أن تحولت إلى ما يشبه الظاهرة، وأصبح العدوان على بعض الكنائس والعدوان على بعض المسيحيين وممتلكاتهم بناء على بعض الشائعات أو حتى الحقائق التي من الممكن أن تعالج من الأمور المتكررة لكن هذه الأمور تتحول بفعل فاعل إلى فتنة طائفية تأخذ أمامها الأخضر واليابس، وبكل أسف فإن جهاز الحكومة الرسمي قد لجأ إلى العلاج الأمني فقط ولم يعتمد سياسات أخرى لحل ذلك، بمعنى عقد مؤتمرات سياسية وربما قومية بين طرفي أي نزاع ويخرج الجميع بنتيجة واحدة هي أنه ليست هناك فتنة طائفية ولا شيء من هذا القبيل (يعنى قعدة عرب) ولم تبحث الحكومة أي أسباب اجتماعية أو اقتصادية لهذه الحوادث .
وعن هذه الأسباب قال أ. سعيد أن التفاوت بين الريف والحضر في الخدمات والثقافة وترك الزوايا والمساجد الأهلية تتحدث كيفما تشاء له أبلغ الأثر في ذلك، كما أنه ما زال الطلبة الأقباط في حصة الدين المسيحي يتركون الفصل إلى أي مكان آخر وهذا في حد ذاته له دلالة كبرى، إذ أنه يدل على أن الأقباط أقليه مما يعني أن هناك تفرقه بين المسلم وبين زميله الذي يجاوره رغم أن الأديان كلها تحض على التسامح والتآخي ورغم أنه لا بد من اعتماد المواطنة لتعليم الأطفال والشباب أن من يجاورني في المدرسة أو في المكتب أو في المصنع هو زميلي وهو مواطن مصري له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، كتب الدين أيضًا في كثير من موضوعاتها تكرس للطائفية وعدم قبول الآخر، هذه من الممكن أن تتحدث عن سلوكيات وقيم راقية تحض جميع الأديان بما فيها الدين اليهودي فالأديان جميعها منزلة من السماء.
وأضاف عن العنف الذي يحدث بين أفراد المجتمع بعيدًا عن التوجه الطائفي أن الاحتجاجات العمالية والطلابية -وهي بالعشرات- في الجامعات والنقابات تنتج عن إحساس الفرد بالظلم، فيخاطب السلطات المسئولة وحين لا يجد الناس رد فإنهم يلجأون إلى الاعتصام أو الإضراب.
هناك فرق كبير بين دخل العامل أو الموظف وبين دخل رئيس مجلس إدارة الشركة التي يعمل فيها، هذا الفرق غير مبرر، الناس تقرأ في الصحف وفي البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للمعلومات والبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي لمجلس الوزراء أن هناك مواطن يحصل على مرتب نصف مليون جنيه في الشهر وآخر يحصل على مائتي جنيه، ويستطرد سعيد فيقول هذه تفرقة غير موجودة في أي مكان في العالم، كل هذا يسبب نوعًا من التفاوت والظلم والاضطهاد بين العاملين ينتج عنه نوع من الغضب والغليان.
حتى في العلاوات الدولة فرقت على مدى سنوات طويلة بين العاملين في الدولة وبين أصحاب المعاشات بدعوى أنهم -أي أصحاب المعاشات- يحتاجون لمصروفات أقل، إذ أن الأعباء عليهم أقل من غيرهم وهذا غير صحيح، فأغلبهم يحتاج لأنواع مختلفة من الأدوية كما أن أولادهم غالبًا ما يكونون في سن الزواج كما أنهم أدوا كل ما عليهم للدولة على أكمل وجه وعملوا لمدة 30 عامًا وربما أكثر.
ويلتقط أ. طارق خاطر "رئيس مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان" طرف الحديث فيقول: المواطن المصري سواء كان هذا المواطن مسيحي أو مسلمًا أو حتى شيوعي مر بمجموعه أحداث تجعل هذه التغيرات منطقية.
أولاً: في حقبه الثلاثينات والأربعينات والخمسينات عمل المصريون بالتجاور في مشروع وطني ضد محتل واحد، ثم في الستينات عملوا في المشروع الوطني والاستقلالي وبناء القلعة الصناعية والاهتمام بالرقعة الزراعية، أما الآن فهناك المحدودية وضيق الرزق وهناك حالة من الفساد الشديد وبالتالي ظهر العنف بوجهه القبيح.
ثانيًا: أصبحت الانتماءات الكبيرة (العمل الحزبي – العمل الجماهيري – العمل المجتمعي) مغلقه أمام الجميع، وبالتالي انتمى المسلم للجامع وانتمى المسيحي للكنيسة، ثم انحرف هذا وتمحور إلى جماعات محظورة وجماعات متطرفة، وسيطر هؤلاء على فكر المجتمع بأن أصبحنا نراهم على القنوات الفضائية وأصبحت كتبهم على الرصيف.
وبعد كل هذا إذا حدث أي حادث بسيط لا بد وأن يثير في نفوس الناس ضغائن وفتن لا يعلم مداها إلا الله، إذًا لا بد أن نرى الموضوع من زاوية صحيحة، وهي أن المجتمع كله يمر بأزمة شديدة ومما يزيد من شدتها أن جهاز الدولة الرسمي يغذى هذه الأزمة وبالتالي سوف تزداد الإنبعاثات الكريهة لها.
وعن علاج هذه الأزمة قال خاطر تُعالج هذه الأزمة وتقل تداعياتها حين يكون لدينا حكومة وطنية تعمل على مصلحة الوطن وتجعل المواطنين جميعًا شركاء في وطن واحد، كما يجب أيضًا أن يكون هناك حلم مشترك بين الناس يسعون لتحقيقه، كان المصريون يقبلون مقولة "شد الحزام" -بمعنى تحكّم في أوجه إنفاقك لكي نستقل عن الخارج فبدلاً من أن نشتري موادًا استهلاكية نشتري دبابة نحارب بها- كان الانتماء موجود، منذ فتره ليست ببعيدة قالوا تبرعوا بجنيه لسداد ديون مصر تبرعنا بجنيه ذهب لعز وأبو العينين (صاحبا شركات الحديد والسيراميك) وغيرهما، إنما أن ينتمي الناس للأزهر والكنيسة لن ينصلح حالنا أبدًا، والإحصائيات في وزارة العدل تعلن أرقامًا مخيفة، أرقام هي أضعاف مئات المرات مما كانت عليه من ثلاثين سنة لا أكثر.
وعن خطورة ازدياد العنف يقول أ. خاطر أن زيادة العنف يؤدي إلى أن كل مشاكل المواطنين تحل بالعنف، وهذا يعني أن الفرد لن يمكنه أن يذهب إلى مكتبه ليؤدي عمله ولن يمكنه أن يذهب إلى بيته أيضًا.
وتضيف د. فيروز عمر "استشاري نفسي وتربوي" أن هناك حوادث يمكن أن تكون مقصودة أو غير مقصودة لكن نتيجة للكبت والقهر الاجتماعي الذي نمر به يتم تفسير هذه الحوادث على أنها مقصودة، هذا الكبت والقهر وعدم العدالة من أهم أسباب العنف التي نراها ونسمع عنها كل يوم.
وترى د. فيروز أن العلاج يكون على أكثر من مسار.
أولاً: بأن يبدأ كل فرد بأن يبحث لنفسه عن دور يؤديه داخل المجتمع ليفيد نفسه ويفيد المجتمع.
ثانيًا: هناك دور كبير منتظر من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الأهلي والمثقفين والصفوة، هذا الدور يتمثل في توعيه الشعوب وتمثيلها.
ثالثًا: يبقى دور الحكومات في مراجعة نفسها ومراجعة أخطائها ومحاولة تلافيها لا سيما أن الأمر متعلق بالعدل.
وعن خطورة العنف تحدثنا د. فيروز قائلة: إن خطورة العنف في أنه يورث، فإذا كان هذا الجيل مشوه -وأقصد بالتشوه العنف فالعنف هو نوع من أقسى أنواع التشوه- فالجيل القادم لا بد أن يكون أكثر تشوهًا، لأن الطفل يجد كل الأمان في تقليد أبيه، فإذا كان الأب حادًا عنيفًا في تصرفاته حتما سيكون الابن أكثر حدة من أبيه، وبالتالي سوف نفتقد الأمان ويتحول البقاء للأقوى قانونًا سائدًا بيننا.
وعن مستقبل المجتمعات المصرية قالت د. فيروز: أنا شديدة التفاؤل.. فإذا فقدنا روح الأمل وروح التفاؤل سوف نصبح أسوأ مما نحن فيه الآن، لكن إن تمسكنا بروح التفاؤل من الممكن في سنوات قليله نكون أفضل مما نحن عليه، لأن هناك شعوبًا كثيرة كانت أسوأ منا لكن عندما قرر أفرادها أن يكونوا إيجابيين تغير الحال بالمرة.