بقلم – أماني موسى
ترددت كثيرًا قبل أ أسطر هذه الكلمات ربما لأنها تحمل الكثير من اليأس والإحباط الحقيقي الناتج عن "القعدة بالبيت" ورصد سلوكيات من حولنا، ربما لأنه يحمل الواقع في صورته القاسية الكئيبة بلا مساحيق تجميل.
فمنذ أعلنت الصين مواجهة فيروس غامض حمل اسم كورونا المستجد "كوفيد 19"، وباتت علامات السعادة على كثير من سكان وطننا العربي واعتباره أنه انتقام السماء لدماء الإيغور، وامتلأت بيوت الله بأًصداح دعواتنا عليهم بالخسف والموت المبين وألا يبقى منهم نسلاً!!
واليوم حين دار الكأس لنتذوق علقمه ومرارته صرخنا ببلاهة وخبث أنه بلاء من الله وسوف يرفع عنا الغمة، وصحونا وإذ بنا لا علم ولا أبحاث ولا دراسات، مع الكثير من دور العبادة، ففي الوقت الذي نحتاج فيه العلم لم نجده لأننا احتقرناه وحقرنا منه عقود عدة، لم نملك أيضًا إلا الدعاء، مع أن الجميع يعلم أن السماء تنقذ الذي يفكر ويعمل وينتج ولن تنقذ خنزير أبله متجمد في قوقعة جهله وحقده وأفضليته الزائفة.
جميعنا يعلم أن العلم وُجد لراحة الإنسان ومن ثم البشرية جميعها بكافة المخلوقات، لكننا لا نملك منه إلا القليل، الذي لن ينجد في هذه الأزمة، بل سننتظر للدول الغربية الكافرة الفاجرة أن تنقذنا بالدواء والمصل إنقاذًا لحياتنا، اليوم ستضطر أخي في الوطن أن تدعي اللهم اشفى مرضانا وليس مرضى دين بعينه، لأن إصابة أصحاب أي دين آخر تعني إصابتك وأهل بيتك وموتك وموتهم!
لك أن تتخيل عزيزي إذا كان العالم كله على شاكلتنا.. شعوب تدعي الدين والإيمان دونما علم، حينئذ كان يمكن لفيروس ضئيل الحجم لا يرى بالعين المجردة أن يقضي على البشرية جمعاء!!
وعن إجراءات الوقاية والاستجابة لتعليمات منظمة الصحة العالمية، لم يلتزم إلا قلة من المصريين، فبعضهم اعتبر أن إلغاء الصلوات بدور العبادة هو كفر بالله عز وجل وهو أكبر المصائب ربما أكثر خطرًا من الوباء نفسهَ! وراحت الأقلام تنعر كالحمير على السوشيال ميديا من أصحاب الديانتين أنقذونا ألحقونا عايزين يهدوا الدين، وكأن الله جل جلاله في دور العبادة فقط، حصرنا تواجده من لا تحده السموات ولا الأرض في حفنة أمتار محددة بجدران أسمنتية، وتناسينا أن الله خالق الكون العظيم يسمعنا ويسمع حتى أصوات قلوبنا وليس صلواتنا بدور العبادة فقط، وبعض الأقلام المسمومة راحت تكيل الدعوات والاتهامات لرأس الكنيسة القبطية بأهداف معروفة وخبيثة، بينما على الجانب الآخر قام عدد من رجال الدين بضرب قرار وزارة الأوقاف عرض الحائط وراحوا يفتحون المساجد داعين الناس للصلوات وكأن الوباء سيتوقف بمثل هذه الأفعال الصبيانية الغير آبهة لخطورة الوضع.
والغريب والمدهش أن هذا الشعب الذي بدا في أغلبه مؤمن ومصلي وحريص على أن يتواجد بدور العبادة باحتشاد غير مسبوق، إذًا فمن هم الذين يتحرشون بالشوارع؟ من هم الذين يمسكون السيرة ويشيعون الفظائع على آخرين؟ من الذي يتكاسل عن العمل ويعطل مصالح الناس؟ من الذي يتلقى رشوة من أجل تصاريح بناء مخالف أو ما شابه؟ من الذي يقوم بسرقة كهرباء من كابلات الحكومة؟ من الذي يقوم بسرقة عواميد الإنارة وخطوط السكة الحديد؟ من الذي يتقل ويسرق ويعمل بالدعارة؟ من الذي يتاجر بالآثار؟ من الذي يبيع أطعمة فاسدة ومنتهية الصلاحية؟ والقائمة طويلة من الجرائم اليومية المخزية!!!
وأخيرًا أحزنني كثيرًا أن شاهدت عدد كبير من الحيوانات الأليفة بالشوارع بعد أن قام أصحابها بإلقاءها في الشارع خوفًا من نقل فيروس هي بريئة منه بشهادة العلم ولن تنقله لإنسان، إلا أن المصريين تركوا الالتزام بكل التعليمات الوقائية واكتفوا فقط برمي حيواناتهم الأليفة بالشوارع لتواجه مصيرها من جوع ومرض ودهس تحت العجلات والموت، ثم يرفعون أيديهم إلى السماء طالبين العون والرحمة!!
تحضرني الآية الكتابية التي تقول في سفر إشعياء: حين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم.. وإن كثرتم الصلاة لا أسمع.. أيديكم ملآنة دماء.