محمد حسين يونس
قد يسبب هذا المقال الكثير من المضايقات والمشاكل لى ، سواء من الذين يعلمون ويتكتمون الحقيقة ، أو هؤلاء الذين لا يعلمون ويملأون الأرض ضجيجا بتصريحاتهم وفتاويهم العنترية.
ومع ذلك فإن ما تطالعنا به الصحف ونشرات الأخبار عن أعطال المرافق و غرق الطرق حتى فى المدن حديثة الانشاء ، يدفعنى دفعا لأن أحاول إلقاء الضوء على العوامل التى أدت الى سرعة تدهور(( الهندسة )) كعلم وصناعة ...ومستوى أداء ((المهندس)) المخضرم منهم والمستجد .
أمضيت ما يقرب من نصف قرن أعمل فى مجال مد وتركيب جميع انواع الشبكات والمرافق سواء كمقاول أو كاستشارى يشرف على إنشاءها ..
ولاحظت انه بمرور الزمن (خلال هذه الرحلة الطويلة ) تفشي الجهل تدريجيا وساد الاهمال والتسيب و الفساد مما أدى الى تجاهل المواصفات و طرق الإنشاء الحديثة وانخفاض كفاءة المنتج وارتفاع سعره الذى مثل أعباء إضافية على ميزانية المستخدم دافع التكاليف الباهظة الناتجة عن الهالك و الفساد غير المحكوم .
للمرة الثالثة على التوالى خلال موسم شتوى واحد تتسبب الأمطار فى إزعاج سكان المدن المصرية .
بالطبع لا دخل للشتاء و أمطاره في هذه الفوضي و هذا الإرتباك ففي جميع بلاد الدنيا تمطر و الحياة تسير بصورة طبيعية ..
و ذلك لان الهندسة ( مش الفهلوة ) تضمن إنشاء منظومات متكاملة .. للتحكم في مياة الأمطار و إستغلالها معروفة و مطبقة .. إلا في بلاد إنجازات.. الهيئة الهندسية و سلاح المهندسين .
المقارنة بين ما تم إنشاؤة من مرافق زمن الإنجليز أو حتي منتصف القرن العشرين .. و ما أنشيء في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية يدعو للتأمل
ما الأسباب التى جعلت مهندسى مصر ، عجزة عن القيام بإنشاء طريق مطابق للمواصفات أو أخر بدون هبوط و تشققات ، أو شبكات كهرباء بدون أعطال و لا تكهرب المارة ..أو مجارى لا تطفح ، فى حين أن هؤلاء المهندسون والعمال عندما ينشئون فى المهجر مرافق تعيش لسنين طويلة سليمة وناجحة ..
بل إن المرافق التى أنشاتها وزارة الشئون البلدية والقروية بأيدى مصرية فى زمن الوزير عثمان محرم لازالت تعمل رغم سوء الصيانة .
كذلك تلك التى أنشأها مختار ابراهيم وحسن علام مع بدايات النصف الثانى من القرن الماضى بما فى ذلك مشروع المائة يوم الذى لازالت عناصره تعمل بكفاءة.
في مثل هذه الايام من عشر سنوات وبالتحديد ايام (( 20،21،22،23،24، اغسطس 2010)) كتبت أربع مقالات بعنوان (( يا حزن قلبي علي مهندسينك يا مصر )) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=226436
أعبر عن دهشتي لتدهور مستوى الهندسة كعلم و صناعة في بلدنا لدرجة انهيار المباني وتصادم القطارات وانفجار مواسير المياه و غرق المدن بالمجارى و اختلاط مياه الشرب بملوثات تنشر الامراض والعجز بين المواطنين ..
هل تغير الموقف بعد عشر سنوات .. لازالت المصائب التي يتسبب فيها جهل وضعف خبرة المهندسين مستمرة ودائمة ولم تنقطع اخرها ((تصادم قطارين يوم 12 مارس 2020. تبين من خلال المعاينة توقف القطار رقم 991 القادم من أسوان - لسبب لم يكشف حتى الآن، واصطدام القطار رقم 989 به والقادم من ذات الوجهة، مما أدى لخروج العربة قبل الأخيرة من القطار المتوقف عن مسارها لتصطدم بعقار من طابقين يبعد عن حرم شريط السكة الحديدية بأمتار)).
لقد زادت السقطات حتي اصبح تكرارها لا يلفت الانظار..و لا يستدعي البحث عن حلول جذرية تمنع حدوثها .
في مقالاتي السابقة ارجعت هذا القصور و التدهور الي أن انخفاض قيمة المهندس السوقية جعلت العديد منهم ينحرف بحيث إمتلأت السجون بمن لم يكن حريصا و الحبل علي الجرار
في عدد من البوستات القادمة سأعيد مناقشة هذه الأسباب..و التي أهمها
ما يتصل بأمور التعليم الهندسي و كيف تدهور مع زيادة عدد المعاهد الحكومية و الإقليمية و الخاصة و الأزهرية ..و تحول خريجي المعاهد المتوسطة لمهندسين بعد دراسة سنة أو إثنين .
ثم كيف أخفقت نقابة المهندسين في تنظيم المهنة و المحافظة علي المستوى العلمي و الأخلاقي للمهندس ..فصار كل من هب و دب يحمل اللقب و الكارنية ..
ثم كيف إنفصمت الممارسة عن العلوم التي درسها المهندس و بعدت عن ما تطورت له أدوات العصر و كيف أخفق المهندس في التعرف علي الأساليب الحديثة في الإدارة و التخطيط و المتابعة .... لعجز في قدرات البعض الذهنية و المعرفية .. أو تدني مستوى إتقان اللغات الأجنبية .. و إكتساب الخبرة بإسلوب المعلم و صبيانه كما يكتسبها الميكانيكية و الحلاقين .
ثم كيف إنخفض المستوى المادى و الإجتماعي للمهندس .. و زادت البطالة بين صفوفهم .. مع زيادة العرض عن الطلب .
و تأثير الهندسة الميرى التي لا تهتم بمسألة الكواليتي كونترول و الكواليتي أشورنس .. بقدر ما يهمها مضاعفة ( الإنجازات ) ..
و كيف تحولت المقاولات إلي مغارة الكنز للمرضي عنهم من حراس الخزائن ..
إن الهندسة فى مصر تحتاج للدخول الى غرفة الانعاش ، لتفيق على واقعها المر ،وما وصل اليه المهندس المصرى المحروم من نقابته المعبرة عنه ، ومن التعليم الجاد والتدريب المناسب واستخدام أدوات العصر ، من تخطيط وبرمجة ومتابعة واختبارات ومراقبة جودة ، أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه ، لتتغلب إرادة الأمن على إرادة العلم لهدف بنفس من بيدهم الحل والربط ، فإننا فى إنتظار كارثة الأمطار القادمة .
(( إلي اللقاء غدا ))