محمد حسين يونس
لاأستطيع إنكار أنني قد أصبحت مسنا محدود القدرة علي المغامرة ودائما ما أنصح الشباب من الزملاء و الابناء ان لا يعتبروا ما أقوله علي أساس أنه حقائق مطلقة ..إنما هي رؤية لشخص عاصر العديد من الاحداث ، يستطيع أن يتذكر
شخص لا يتوائم بإسلوب مناسب مع الحاضر و لا يستطيع ارتياد المحيطات الخطرة او الدروب غير المطروقة .
في شبابي كنت دائم الاختلاف مع والدى وجيله و كنت أدعي في بعض الاحيان أنهم ليسوا علي صواب عندما يتحفظ أحدهم في تأييد ما يقوم به عبد الناصر بدأ من تأميم قناة السويس و الوحدة السورية المصرية أو حروب اليمن ودعم الجزائر و الكونغو وبلاد تركب الافيال .
لقد كنا (نحن الشباب ) نتيه حبا بعبد الناصر و نرى أنه المخلص المنقذ القائد الذى لم يأت الزمان بمثله .
كذلك كنا نختلف معهم في تأيدهم للسادات الذى كان أغلبهم يراه رجل سياسة (عقر ) خرج بنا من مأزق الهزيمة و ضعف الامكانيات الي براح التفاعل مع المجتمع الدولي ..لقد كنا ننتقد بشدة كامب دافيد و الاستسلام لامريكا و العلاقة غير المتوازنة مع اسرائيل وتغول وحوش الانفتاح الاقتصادى .
ثم مرت ثلاثة عقود عجاف تحول جيلي فيها من شباب الرفض للهزيمة و الاستسلام الي كهول حزب الكنبة الذين لا يعجبهم العجب و لا الصيام في رجب .. لقد انكفأنا علي همنا الشخصي و (الجري كالوحوش من إجل رزق ضنين لمن لم يتقن الاعيب السوق ) حتي إنتفضت الموجات المتتالية من الشباب ترفض و تغير .
لقد تركنا بلدنا تنمو بعشوائية منذ ثمانينيات القرن الماضي لذلك نعيش اليوم غرباء في كانتونات صغيرة مغلقة لا يعرف أى منا ماذا يدور في محميات الجيران إلا بالصدفة فيندهش من ما فعله الفقر المذل أو الغني الفاحش المتلف .
نحن المسنون نرى أن المجتمع فقد تماسكة و وحدته و إنسجامه ..و الدولة تايهه تفتقد إلي اهداف يمكن تحقيقها ..و الحكومة بتفترى علي الضعيف و تطاطي أمام القادر .. و القيادة متحصنة في قلعة ذات بروج مشيدة لا يصلها الدبان الازرق ..و كل منا يتصور أنه لم يوجد علي الارض المحروسة من هو في فطنته وذكائة و لا يريد أن يستمع للغو الاخرين
و لكن كل هذا الدمار قد يكون عند البعض .. مجرد نوع أخر من الحياة .. لا يستوعبها فاقدى المرونه .. متصلبي الرؤية محدودى الأمل مثلي من المسنين .
بالامس حلمت بغد مشرق .. و اليوم جاء كابوس الحصاد الذى لا يمكن إصلاحة .. لنعش غرباء في وطن قد يكون هو الأفضل من سوريا و العراق و ليبيا و اليمن و الصومال و غزة و السودان وأفغانستان و باقي الدول المتصارعة تحت الراية السوداء و لكنه غير مأهول بالنسبة لمسن خبر مجتمعات ترتقي بناسها و تجعل منهم بشرا.
فلتعيشوا حلمكم مهما كان جموحة .... ولا تستمعوا للمسنين .. فهم ليسوا كما تتصورون حكماء بقدر ما هم عاجزون .. و غدا .. لناظره قريب ..