116 حالة وفاة بسبب الحبة فى العام الماضى.. وارتفاع نسبة الانتحار بها إلى 67%.. ومناشدات لتقييد حركة بيعها
شغلت محاولات الانتحار بواسطة أقراص الغلال السامة اهتمام الرأى العام المصرى، خاصة مع تزايد حالات الوفاة بسببها، وآخرها 3 طالبات فى محافظات الشرقية، الأسبوع الماضى.
عضو مجلس النواب رائف تمراز، تقدم بطلب مناقشة عامة إلى رئيس المجلس على عبدالعال، بشأن إنشاء ثلاجات حفظ للمحاصيل الزراعية للحد من استخدام حبة الغلال فى حفظها من التسوس والعطب، بعد أن أصبحت إحدى أدوات الانتحار المنتشرة أخيرا بشكل كبير.
وتحولت حبة الغلال من وسيلة لحماية المحصول لأداة قتل سهلة ومتداولة فى الأسواق، وهو ما نجده فى صفحات الحوادث ومواقع التواصل الاجتماعى التى تنقل يوميا حكايات عن الانتحار بواسطتها، وكشف المشاركون فى اليوم العلمى بكلية الطب فى جامعة المنوفية عن تزايد نسبة الانتحار بها إلى 67% سنويا فى عام 2019 قبل أن تكون 47% فى 2018.
وبلغ عدد الوفيات بالحبة السامة فى العام الماضى 116 حالة وفقا لبيانات مركز السموم بالكلية، الأمر الذى دفع خبراء فى مجال السموم إلى إصدار بيان عاجل إلى كل من يهمه الأمر لمنع تداولها فى الصيدليات، ومنعها من أن تكون فى متناول الجميع لوقف أو تحجيم عمليات الانتحار بواسطتها.
مسلسل الانتحار بحبة الغلال بات مسلسلا شبه يومى فى المحافظات، فى إحصائية للشهرين الأخيرين، تناولها شاب فى محافظة الدقهلية، فوصل إلى مستشفى منية النصر المركزى جثة هامدة، وقالت أسرته فى تحقيقات النيابة إنه يعانى من أزمة نفسية واكتئاب شديد منذ فترة، وفوجئوا بتناوله قرص الغلال ونقلوه إلى المستشفى، إلا أنه توفى هناك.
كما سقطت طالبة أخرى فى إيتاى البارود، حيث تلقت أجهزة الأمن بلاغا من مدير مدرسة كفر مساعد الإعدادية، بإصابة الطالبة «شهد. ر. ف»، 15 عاما، بالصف الثانى الإعدادى، بحالة قىء وإغماء أثناء الطابور بفناء المدرسة، إثر تناولها حبة الغلال القاتلة، وتم نقلها لمركز السموم، وإبلاغ أهلها بالواقعة.
واستيقظ أهالى زاوية نعيم فى قرية المهرة بمركز أبو حمص بالبحيرة، على وفاة شقيقتين فى ظروف غامضة، وتبين تناولهما حبة الغلال القاتلة لمرورهما بضغوط نفسية، وفشلت محاولات إنقاذهما.
وتقول الطبيبة فى مركز السموم بالمنوفية نورا السيد، إن فتيات بتن يهددن أسرهن بالانتحار بالحبة فى حالة عدم تنفيذ طلباتهن، وهذا حدث مع فتاة تناولت الحبة على أمل إسعافها بالمستشفى، وفور دخولها صرخت وقالت إنها لم تكن ترغب فى الانتحار، مؤكدة أنها لم تكن تعلم صعوبة العلاج منها، قبل أن تتوفى بعد لحظات من دخولها المستشفى.
وأوضحت الطبيبة بقسم الطب الشرعى بجامعه أكتوبر زينب شحاتة، أن تلك الحبة يمكن شراؤها بسهولة من الصيدليات، حيث تباع 5 أقراص بـ10 جنيهات فى برطمان، وباتت الفتيات فى الريف وصعيد مصر تلجأ إليها، خاصة أنه وسيلة متاحة وسريعة للتخلص من حياتهن نظرا لمرورهن بأزمات نفسية أو أسرية.
وأضافت لـ«الشروق»، أن حبوب الغلال عندما تتعرض للرطوبة تدمر الخلايا التى تنتج الأكسجين داخل الجسم، حيث يدخل فى تصنيعها مادة «زينك فوسفيد» التى تخرج منها غازات ضارة جدا، لافتة إلى أن كثرة التعامل مع هذه الحبوب واستنشاق الغازات المتصاعدة منها، يؤدى إلى الإصابة بالعديد من الأمراض.
وأوضحت أن الأمراض التى تنتج عن التعامل مع هذه الحبة تشمل: (سرطان الرئة، وتشوهات الأجنة، وتدمير العديد من خلايا المخ، والالزهايمر، والعقم)، كما يسبب تناولها الموت اللحظى لأنها شديدة السمية، وكانت تستخدم قديما سما للفئران والثعالب فى القرى.
وخلال ندوة عقدت بجامعة المنوفية فى فبراير الماضى، قال عميد كلية الطب ورئيس مجلس إدارة المستشفيات الجامعية محمود قورة، إن الكلية أرسلت العديد من الاستغاثات، وأصدرت توصيات عدة للحد من تداول حبة الغلال القاتلة التى ما تزال تباع بالصيدليات ومحال بيع المنتجات الزراعية.
وطالب قورة بضرورة تضافر الجهود لتجريم تداول هذه الحبة، وأوضح أن مركز السموم بالجامعة استقبل 116 حالة تسمم بها فى العام الماضى، ما يدق ناقوس الخطر انطلاقا من حماية المجتمع والتوعية والوقاية والحفاظ على صحة المواطنين.
وكشفت رئيس قسم الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بكلية الطب بالمنوفية صفاء عبدالظاهر، عن إحصائية بعدد حالات التسمم والتى استقبلها مركز الطب الشرعى وعلاج التسمم والإدمان بمستشفيات الجامعة خلال عام 2019، والمخاطبات الرسمية التى تقدم بها القسم والكلية للجهات المختصة والردود عليها منذ 3 سنوات.
وأوضحت أن المركز استقبل 5160 حالة تسمم توفى منهم 123 حالة، منهم 116 بحبة الغلال، لافتة إلى أن الحبة تحتوى على 3 أضعاف الجرعة المميتة من فوسفيد الألومنيوم، وأن قسم الطب الشرعى أعد فيديو تم نشره على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» للتوعية بأخطار هذه الحبة القاتلة.
وأضافت أنه تم التوصية بضرورة وضع ضوابط لتداول هذه الحبوب القاتلة فى محلات بيع المبيدات، وتجريم تداولها بين العامة، وضرورة صرفها بتذكرة أو على البطاقة الزراعية، وعدم صرفها لصغار السن، مع تصنيع عبوات غير قابلة للاستخدام الآدمى ويصعب بلعها، مع ضرورة التعاون بين كليات ومديريات الزراعة لمحاولة إيجاد بديل فعال وأقل سمية لها، وزيادة الوعى والتثقيف الصحى بشأنها.
وطالب مؤسس حملة «أرواحنا مش رخيصة ــ لا لبيع حبة الغلة القاتلة» محمد عبدالغنى، بحظر بيع هذه الحبة، متسائلا عن سبب التأخر فى مواجهة هذه الظاهرة التى يذهب ضحيتها العديد من المواطنين، خاصة فى المحافظات الريفية.
وقال مؤسس الحملة لـ«الشروق»، إن الأبناء باتوا يستخدمون حبة الغلال وسيلة لابتزاز أسرهم، أملا فى تنفيذ مطالبهم، مؤكدا عدم نجاة أى حالة من المقدمين على الانتحار بواسطتها، داعيا إلى تضافر الجهود لعدم وصولها إلى أيدى الفئات العمرية الصغيرة، خاصة أنها تباع للجميع دون ضوابط، نظرا لرخص ثمنها.
وتقول أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة أميمة مصطفى كمال، إن اختيار طريقة الانتحار بهذه الحبة القاتلة إشارة إلى فشل المقدمين عليها فى التعامل مع الأزمات النفسية أو الأسرية، ووصولهم إلى قمة اليأس، باتخاذ هذا القرار المميت الذى لا رجعة فيه، مشددة على ضرورة وضع حد لتداول هذه الحبة، التى تمثل خطرا داهما على حياة الشباب، خاصة فى مرحلة المراهقة.