د. محمود العلايلي
يحتل التعليم الدينى'> التعليم الدينى مكانة عريضة جدا فى مصر على مستوى الكم، حيث يوجد ما يقارب العشرة آلاف معهد أزهرى يدرس تعاليم دينية لمرحلة ما قبل الجامعة، بينما تحتل جامعة الأزهر المرتبة الأولى من حيث عدد الطلاب الذين يقاربون 290 ألف طالب، أى أكثر من عدد طلاب جامعة القاهرة، هذا بالإضافة إلى مدارس الدعاة والداعيات التابعة لوزارة الأوقاف، وغير التعليم النظامى فهناك دروس فى المساجد، سواء على مستوى التنظيمات الإسلامية أو الجمعيات الخيرية الدينية، ويزيد عليها البرامج الدينية التى تُبث على وسائل الإعلام المختلفة، سواء الحكومية أو الخاصة بكل أنواعها وتوجهاتها، وبالإضافة إلى الدعوة على منصات التواصل الاجتماعى فهناك أيضا الدروس الدينية المنزلية التى تُلقى فى إطار تجمع من المعارف والأصدقاء أو حول موائد الطعام.
إننا إذا نظرنا إلى الملتحقين بالمعاهد الأزهرية لوجدنا حوالى مليونين ونصف المليون تلميذ يدرسون مناهج غير التى يدرسها أقرانهم فى نفس السن فى التعليم العام، أما الشىء الآخر فإن أغلب التلاميذ الذين تقبلهم هذه المعاهد من الذين لم يتم قبولهم فى التعليم العام بسبب شرط المجموع مما ينم عن المستوى التعليمى لهؤلاء، أما ثالثا والمهم فهو أن هذه المعاهد تنمى فى عقول تلاميذها فكرة الاستعلاء بالدين والتخايل بذلك، بالإضافة إلى كارثة توطيد العقلية النقلية فى التفكير وتأكيد أسلوب الحفظ والتلقين، ناهينا عن مناهج العصور الغابرة التى يخرج التلميذ من هؤلاء مشبعا بها ومقيدا بأغلب ما جاء فيها من أفكار ورؤى.
وإذا كان بعض طلاب جامعة الأزهر يدرسون علوم الدين بشكل أكثر عمقا وأدق تخصصا، فذلك مفهوم بحكم طبيعة الجامعة وتوجهها، أما غير المفهوم فهو أن يدرس البعض الآخر هذه العلوم مختلطة بالعلوم التطبيقية كالهندسة والطب والزراعة والصيدلة، أو مختلطة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية كالآداب والتجارة، وينبع الخلط هنا من تدريس مواد علمية تعتمد على التجريب والشك والتدليل على التوازى مع مواد دينية تعتمد على الحفظ والتلقين واليقين.
والحقيقة أننا إذا اتخذنا منهجا إيجابيا فى بحث هذا الأمر خلال هذه السطور المختصرة، وذلك بطرح سؤال مباشر يديره القارئ فى رأسه ويحاول الإجابة عليه وهو: إذا افترضنا أن هذه المؤسسات تقدم تعليما دينيا على أرقى مستوى، وإذا كان التلاميذ والطلاب الملتحقون بها على أرفع مرتبة عقلية، فما هى الفائدة التى يجنيها المجتمع من هذا التعليم؟ وكيف يمكن أن يكون هؤلاء المتخرجون مفيدين لأنفسهم أو لبلدهم؟
إن الإنسان فى مصر يولد وديانته معلقة فى رقبته، ومعها روابطه العائلية والاجتماعية، ومن المحرمات فى بلدنا أن يعلن أحدهم عدم رضائه عن دينه أو رغبته فى تغييره أو إلغائه، ولذلك فنحن لسنا فى عصر من عصور التبشير أو منطقة للتنافس بين الأديان، وبذلك يكون الكلام عن الدين للمتدينين مسألة لا طائل منها غير الإلهاء وتضييع الوقت، لأن الذى يدرس الهندسة يكون مهندسا، والذى يدرس الحقوق يتخرج محاميا، أما من درس الوعظ والدعوة والتبشير فماذا يكون عمله بعد التخرج؟ فإذا كانوا يتكسبون من دعوة مسلمين للإسلام فهذه قضية منطقية فاسدة بحكم العقل، وتقع تحت بند الغش التجارى بحسب قوانين حماية المستهلك، لأن العقل والقانون يُقران أن المقصودين بالخدمة أساسا مسلمون، أما إذا كان الهدف من هذه المهن هو تقييم المقدار الإيمانى فى نفوس المواطنين، لتشكيل تراتبية مجتمعية تبعا للصفات الإيمانية الحاكمة، بصفتهم يعتبرون أنفسهم مشرفين على الحياة الدنيا، ومسؤولين عن الحياة الآخرة، فمن الأولى ساعتها إدراج الرتبة بدلا من الوظيفة فى الأوراق الثبوتية، ليحدد لكل مواطن مكانته فى الحياتين، لتكون خانة الوظيفة فى بطاقة الرقم القومى كالتالى، الوظيفة: «مؤمن»، أو الوظيفة: «مؤمن مساعد»، أو: «مؤمن تحت التمرين»!
نقلا عن المصرى اليوم