مراد وهبة
قرأتُ مقالاً مثيراً للحوار فى «المصرى اليوم» بتاريخ 22 /2 /2020 للكاتب والصحفى الأستاذ سليمان جودة. وعنوان المقال «عمرها عشر سنوات». وهو يقصد بذلك مقالاً كنت قد نشرته فى الصحيفة ذاتها فى 1 مايو 2010 وعنوانه «أبوديس عاصمة فلسطين». وصاحب هذا العنوان أستاذ الفلسفة بجامعة تل أبيب قاله فى لقاء جمع بينى وبينه فى القاهرة. وعندما سألته عن موقع أبوديس قال إنها فى شرق القدس. وأنا بدورى قلت له: «عرفات لن يقبل»، وكان تعليقه: «إذا رفض فسنأتى بمن يقبل».
وفى 18 /2 /2020 نشرت مقالاً فى «الأهرام» كررت فيه العنوان الذى كنت قد نشرته منذ عشر سنوات، وذلك بمناسبة ما أعلنه الرئيس ترامب فى صفقة القرن من أن أبوديس هى عاصمة فلسطين. أما أنا فكنت أقصد التنويه بأن ذكر أبوديس فى الصفقة يعنى أن الصفقة ذاتها لم تكن من صياغة ترامب إنما من صياغة نتنياهو وفريقه المعاون. ولا أدل على ذلك من تصريح نتنياهو فى الشرق الأوسط بتاريخ 24/ 2/ 2020 بأنه حتى لو فاز الحزب الديمقراطى بالانتخابات الرئاسية الأمريكية فإن خطة السلام التى قدمها رونالد ترامب سوف تطبق ولا شىء يمكنه وقف تنفيذ الخطة الأمريكية. فإن الأهداف تم تحريكها بالفعل وسيكون من الصعب جداً على أى إدارة إعادتها. ونحن لن نسلم ولو شبر أرض للعرب.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية يجب علينا أن نبنى يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والمضى قدماً فى توسيع المستوطنات القائمة من أجل مستقبل شباب إسرائيل. والمغزى الخفى فى هذا التصريح انهيار السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية مع بقاء حماس كسلطة فلسطينية بديلة. ولكن حماس حركة أصولية تنتمى إلى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين وتنحاز تماماً إلى النظام الايرانى الأصولى. وكل هؤلاء ينشدون فى نهاية المطاف تدمير إسرائيل. ومن هنا لن يكون الصراع القادم بين المنظمة وإسرائيل، إنما بين حماس وإسرائيل.
والجدير بالتنويه هنا، والذى يحتاج إلى حوار صريح وبلا مواربة هو أن خطيئة القيادات الفلسطينية، أيا كانت التسمية، هى قيادات محكومة - شاءت أو لم تشأ- بأصولية إسلامية هى بلا مستقبل، لأن ظاهرة الكوكبية فى هذا القرن، والتى هى أعلى مراحل الثورة العلمية والتكنولوجية هى ظاهرة تتسم بالعلمانية التى تأخذ بالنسبى دون المطلق، لأن من سماتها الاعتماد المتبادل بين الأمم والشعوب، ومن ثم فهى معادية للأصولية. والمفارقة هنا أننى كنت أدعو منذ السبعينيات من القرن الماضى إلى تأسيس تيار علمانى يسمح بالدخول فى مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أمر من شأنه أن يدفع إلى التطبيع الثقافى على نحو ما ورد فى المادة الثالثة من البند الثالث من المعاهدة المصرية الإسرائيلية، إلا أن النخبة المصرية والعربية والإسلامية رفضت المعاهدة برمتها، بما فيها ذلك البند. وعندما أُعلنت صفقة القرن قالت هذه النخبة: لقد وُلدت ميتة، وإذا بها حية وتمارس حياتها بلا مقاومة. وفى هذا السياق إذا أثير هذا السؤال: ما العمل؟ هل من جواب؟ من هنا، الحوار أمر لازم على نحو ما جاء فى مسار هذا المقال.
نقلا عن المصري اليوم