د. محمود خليل
أوائل الثمانينات تأسس تيار جماعاتى يتحلق حول فكرة عبدالله عزام المتمثلة فى «جهاد العدو البعيد» والتفَّ حول شعار «جهاد السوفيت فى أفغانستان». وفى المقابل برز تيار جماعاتى آخر يرفض الفكرة، بل ويتهم الشعب الأفغانى بالحيود عن مبدأ التوحيد والتشوش العقائدى، وذهبوا إلى أن تصحيح المفاهيم الإيمانية للأفغان أوْلى بالسعى وبذل الجهد من تحرير أرضهم، وأكد بعضهم أن الجهاد فى أفغانستان يعنى وضع دماء المسلمين فى خدمة المصالح الأمريكية.
لم يقنع هذا الطرح رجل الأعمال السعودى «أسامة بن لادن» بل كان أميل إلى رأى الشيخ عبدالله عزام ويرى أن الجهاد فى أفغانستان ينطوى على أهمية كبرى، ونظر إلى المعارك التى تدور هناك كساحة إعداد وتدريب للعرب حتى إذا عادوا إلى بلادهم تمكنوا من النيل من عدوهم القريب. كان «بن لادن» قد سافر مع من سافروا إلى أفغانستان استجابة لدعوة «عزام» وبدأ يسخر ثروته الكبيرة فى خدمة أهداف الفكرة التى آمن بها، واستقل «بن لادن» بعد ذلك بمجموعة من الأتباع أسس بهم جماعة أطلق عليها «مأسدة الأنصار»، وبدأ يتنقل من دولة إلى أخرى -وكان مسموحاً له حينها بذلك- يلقى المحاضرات التى تحرض شباب الدول الإسلامية على الاصطفاف وراء فكرة الجهاد الأفغانى، ونجح فى إقناع البعض بذلك. وعندما أوشكت الحرب فى أفغانستان على الانتهاء وبدأت القوات السوفيتية فى الانسحاب عام 1988 كان أسامة بن لادن قد وضع اللبنة الأولى فى إنشاء تنظيم القاعدة الذى رفع شعار «جعل كلمة الله هى العليا ونصرة الدين».
وفى مصر وعلى الشاطئ الشرقى للبحر الأحمر تبنت التنظيمات الجهادية فكرة أن جهاد العدو البعيد مؤجلة حتى يتم الانتهاء من جهاد العدو القريب (الأنظمة)، وقدموا هذا الطرح كإجابة عن سؤال: لماذا لا تتحركون لتحرير أرض فلسطين؟. وكان أيمن الظواهرى يردد «لن نفتح القدس إلا إذا حسمت المعركة وفتحت العواصم العربية»!. لكن تحولاً لافتاً وقع بعد ذلك فى عام 1998 -أى بعد عقد كامل من انتهاء الحرب ضد السوفيت- عندما تأسست «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد» وبدأ التحريض الواضح ضد المصالح الأمريكية وضربها بالفعل، كما حدث فى تفجير السفارتين الأمريكيتين فى نيروبى (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) وذلك فى عام 1998، ثم تفجير المدمرة الأمريكية «كول» فى اليمن عام 2000.
وقد كان لفشل النظرية التقليدية التى اعتمدت عليها التنظيمات المتطرفة فى تصفية رموز السلطة الحاكمة داخل البلدان العربية توجيه إرهابها إلى خارج البلاد، حيث أثبتت التجربة أن تغيير أوضاع الحكم ليس بالبساطة أو السذاجة التى تصورها هذا الطابور الطويل العريض الذى بدأ بسيد قطب ومر بصالح سرية ومحمد عبدالسلام فرج وعصام القمرى وكوادر الجماعة الإسلامية التى وجهت رصاصاتها منذ منتصف الثمانينات وحتى منتصف التسعينات إلى صدور الوزراء ورئيس مجلس الشعب وبعض الرموز الفكرية والسياسية التى تكشف ألاعيبهم وتفضح خفايا أفكارهم أمام الرأى العام.
نقلا عن الوطن