سليمان شفيق
نبيل عبد الفتاح مثقف عضوي وفق رؤية جرامشي وباحث متفرد ومنذ أن رحل محمد سيد احمد لم نحظي بباحث رؤيوي مثل نبيل حيث رأي من كتاباتة منذ ثلاثين عاما من تداعيات النص والرصاص وحتي سياسات الأديان تفكك عوامل الاندماج القومي وحوار الدم .. يعمل في صمت راهب في مجال الفكر بعيدا عن ضوضاء "مثقفي السلطان" وكتاب الأمن العلمي .. كل سنه وانت طيب ايها النبيل عبد الفتاح وليس عبد المال أو الشهرة لباحثي المهرجانات
عيد ميلاد سعيد وعقبال الف فكرة ومائة عام.
كتب محمد سيد احمد 1975، قبل أن يذهب الرئيس السادات إلى القدس وتبدأ مسيرة التسوية المنفردة بين مصر وإسرائيل، وقرأ الكتاب هذه المسيرة قبل أن تولد، وتوقعها قبل أن تبدأ، في وقت كانت الشعارات القومية والتعبئة العسكرية هى السائدة، والمشهد السياسى برمته مليئاً بمفردات ورموز لم يكن يتخيل أحد أنها ستغيب بعد أشهر قليلة. يقول محمد سيد أحمد في مقدمة الكتاب: "إن العالم يتحول بسرعة، ولا يرحم المتخلف، علينا أن نتعلم كيف نتصدى لما يصدمنا، وألا يشل تفكيرنا ما يوجعنا"، "إننا في عصر "ثورة". وليست "الثورة" مصطلحات ثورية فقط، ولا هي تمجيدًا أو تقديس أحداث كانت "ثورة" في يوم ما، بل عملية حلقاتها متصلة، متجددة أبدا، متسعة الآفاق أبدا، هي أن نقفز باستمرار إلى أبعد، وأن نفتش باستمرار عما هو ناشىء، وندفع بالمولود الجديد إلى الحياة، أيا كانت آلام المخاض".
هكذا تنبأ محمد سيد احمد بكل ما يحدث قبل حدوثة .
هكذا كان نبيل عبد الفتاح ففي كتاباتة عن الاسلام السياسي ، ففي كتاب المصحف والسيف 1984 : راي نبيل عبد الفتاح :أن التناقضات البنيوية في المجتمع والدولة والثقافة وحالة السلفية العامة التي حاولنا تلمس بعض معالمها لن يحركها سوى الجدل السياسي والمعرفي الحر القائم على العلم وسيادة قيم التسامح السياسي والديني . وإعمال سلطان العقل باعتباره منطلق الإبداع المعرفي لدى الجميع . من أجل هذا أطرح وعلى استحياء وجهة نظري في ظاهرة الإحياء الإسلامي في السبعينيات من منظور علمي، ونقدي، وقد يرى البعض أن هذه الدراسات قد انطوت على هنات هنا ، أو سلبيات هناك،الا ان الكتاب تنبأ بأن الامر سوف يؤدي الي الصدام المسلح للوصول للسلطة وهذا ما حدث بعد خمس وثلاثين عاما .
وفي كتابة سياسات الاديان كتب: في 2003 عن تلفزة الدين وتديين العالم واكد علي ان عوامل التماسك القومي في مصر قد انتهت وكلنا نشهد الان ما يحدث من فتاوي السلفيين بنفي الاخر المسيحي او المختلف في المذهب .
نبيل عبد الفتاح لا يمكن ان نعرفة كما يكتب عنة انه باحث متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة وحصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1974، ثم الماجستير من جامعة السوربون الفرنسية في صراع الحضارات عام 1984 وكان يشغل منصب مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلي أن أصبح رئيس مركز تاريخ الأهرام في 12 أغسطس عام 2009 وهو مختص في شئون الجماعات الإسلامية ورئيس تقرير الحالة الدينية في مصر وله عدة كتب في هذا المجال
بل انه باحث يحمل رؤية نبوية تري مثل زرقاء اليمامة العدو القادم بعمق بصيرة وليس برؤية بصر، وكيف راي في كتاباتة من قبل جيل الجديد للإرهابيين جاء من منابع السخط وغياب الأمل والإحباط، ويفسر تلك الاحداث بالقول :" هذه الأحداث التي تميزت بالعودة إلى أنماط العنف المحمل بالطابع الديني هي تعبير عن حالات احتقانات مستمرة ومتزايدة منذ فترة طويلة في مصر. ونتيجة ارتفاع معدلات الفساد السياسي والاجتماعي، ووجود فجوات كبيرة ومتسعة بين النخبة السياسية الحاكمة وبين قطاعات الجماهير العريضة."
وقال في حوار مع نيللي يوسف قنطرة 2005:
:" لا يوجد تمثيل لمصالح الجماهير السياسية والاجتماعية من خلال المؤسسات المختلفة مثل البرلمان وغيرها. وهناك أيضا ما يمكن أن نطلق عليه ظاهرة اضمحلال الخيال السياسي للنخب الحاكمة نتيجة الشيخوخة السياسية القائمة في مصر حتى أصبح الحس السياسي أمرا بعيدا عن أداء وسلوك وتفكير النظام السياسي المصري سواء من قيادات الحزب الوطني أو الحكومة و رئيسها وغيرهم، كل هذا أدى إلى غياب الآمال لدى الشباب المصري وخلق فراغ كان السبب الرئيسي في العودة مجددا إلى الإرهاب لأنه حتى الاستراتيجيات التي اتخذتها الدولة في مواجهة الظواهر الدينية والسياسية على اختلافاتها ليست نابعة من رؤية سياسية منظمة.
فعلى مدى عقدين يقولون إنهم يكافحون الإرهاب وحتى الآن لم يكن هناك مواجهة سياسية وإعلامية للإرهاب سوى بتصدير مصطلح الإرهاب فقط دون فحص للتركيبة الاجتماعية لهذه المنظمات أو الاتجاهات السياسية لهذه العناصر ولا معرفة دوافع الشباب وانخراطهم في مثل هذه المنظمات ذات الطوابع السلوكية السياسية الراديكالية العنيفة.
أيضا المجتمع المدني في مصر محاصر بالقيود القانونية والإدارية والأمنية. فالأمن هو الذي يدير ملفات عديدة في مصر لثقة النخبة الحاكمة ودوائر صنع القرار بالأدوات الأمنية دون غيرها من الأدوات السياسية لمواجهة الأمور حيث انه يدير ملفات دينية وسياسية حساسة مثل ملف الأقباط و ملف الأزهر والجماعات الإسلامية و الصحافة.
كل ذلك أدى لتفاقم الظاهرة الإرهابية وحدوث مثل هذه العمليات الأخيرة والتي سيحدث المزيد منها في الفترات المقبلة أيضا من وجهة نظري، لأن أسبابها مازالت قائمة، وتقودهم الي التوحش"
هذا هو نبيل عبد الفتاح في سطور قليلة كون عمق كتاباتة تحتاج غواص اكاديمي للبحث عن البصيرة البحثية ذات الرؤية النبوية والتي غالبا ما تختبأ خلف لغة للخاصة مثلما يختبأ اللؤلؤ في عمق صخور قاع البحر ، من ذا الذي يملك قرار القراءة لتلك الفراسة في معني المعني سوي من يدرك ان اول كلمات القران الكريم كانت "أقرأ" وان يوحنا الرائي كتب في سفر الرؤيا كلمة "اكتب" سبع مرات ، وفي انجيلة قال :" وفي البدء كانت الكلمة" ومن ثم يعيش فينا نبيل بالكلمة التي تحتاج الي بصيرة وليس بصر.
كل سنه وانت نبيل يا نبيل .