الأقباط متحدون | شيطان في الطريق
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٢:٠٧ | الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢ | ٤ برمهات ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٩٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

شيطان في الطريق

بقلم: نبيل حنا | الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 


أصبح المترو وسيلة مواصلاتي المفضلة في الآونة الأخيرة، فعملي الجديد يتطلب مني رحلة يومية من منزلي في "الدقي" إلى "المطرية"- يحرق الهندسة وسنينها- وبما أن المسافة طويلة ومنطقة "المطرية" غير ممهدة. قرَّرت أن أترك سيارتي الحبيبة هانئة مستريحة في الجراج، وأن أحشر نفسي في عربات المترو مواجهًا أهوال الطريق، بداية من صهد العرق ورائحته في سيارة المترو، مرورًا باحتمال الازدحام العاصر في سيارة المترو وما يتبعها من خطر النشل– ونحمد الله هنا أنني ذكر في مأمن من التحرشات!- وأخيرًا المسافة الطويلة التي أقطعها سيرًا من المترو إلى مكان عملي، مفضلاً كل هذا على تعريض نفسي إلى حرقة الدم أثناء القيادة ووقايةً لسيارتي من هذا الطريق الوعر.

كل هذا طبيعي؛ فأكل العيش مر، والحفاظ على سيارة في شوارع "مصر" أمر، أما غير الطبيعي فهو هذا الرجل العجيب الذي أمر بجواره مرتين في اليوم في طريقي من محطة المترو إلى العمل صباحًا وفي طريق عودتي من العمل إلى محطة المترو. لقد لفت هذا الرجل النحيل انتباهي منذ أول يوم لي في هذا العمل، فهو نائم في الشارع فيما يشبه خيمة تتكون من قطعة قماش قذرة مشدودة ما بين جدار محل نصف مغلق وعصوان من الخشب مدقوقتين في الأرض، وهو يستلقي على بطانية شديدة الاتساخ يبدو أن لونها الأصلي كان بنيًا، ويرتدي بنطال جينز متسخ ولكنه أنظف بكثير من البطانية، يظهر منه أن قدمه اليمنى مبتورة، ويداه دائمًا في وضع الاستلقاء إلى الخلف.

أعتقد أنه يرتدي تي شيرت بولو يميل أيضًا إلى اللون البني، ولكنني لا أستطيع أن أتبين أكثر من هذا، فمتى تقع عيني على هذا الرجل أجد عيناه العسليتين اللامعتين في وجهه تجحدانني بنظرة مخيفة توقع رعبًا لا تفسير له في قلب كل من يراه– لقد تحدثت مع أكثر من زميل لي في العمل وقد أكَّدوا لي جميعًا أنهم يتقون نظراته الغريبة- لهذا لم أستطع أبدًا أن أتفرس في وجهه المتسخ المحاط بشعر أسود بوهيمي وذقن سوداء شعثاء وأنف طويل نسبيًا. ولا يمكن أن يساعدك هذا الوجه أن تخمن لهذا الرجل سنًا، بل يطبع في ذاكرتك صورة مقاربة لكائن شيطاني لا عمر له.

لم أره يتحرك أبدًا، بل هو ثابت في مكانه وبجواره شيشة معسل قديمة أجدها أغلب الوقت في فمه يدخنها دون أن يمسكها بيدها فتنقبض عضلات فمه عليها ثم تنفرج منفسةً الدخان، وحتى فمه هذا لم ينطق أمامي أبدًا، حتى المرة الوحيدة التي وقف فيها أمامه طفل في سكون أخذا ينظران كل منهما إلى الآخر وكأنهما يتحدثان بعيونهما!.

من أين يأتي هذا الرجل بثمن المعسل وهو لا يعمل ولا يشحذ، ومتى يأكل إذا كان يأكل؟ وكيف يتركه الناس في حاله ولا يتعرض له أي شخص من سكان العمارة أو أصحاب المتاجر المجاورة أو حتى المارة في الشارع؟ يوميًا أراه فأنفر منه وأطرح أسئلة لا حصر لها عن هذا الرجل حتى صرت أفتقد عذاب رؤيته يوم إجازتي!.

أحيانًا أعتقد أن هذا الرجل ليس شيطانًا بل خوفنا جميعًا منه نابع أن نفكر أننا قد نصل إلى حالته، ولكن أليس ما هو فيه من راحة كاملة من كل شئ هو هدف منشود لدى كثيرين؟ بل هل هذا الرجل موجود أصلاً أم أننا كلنا نتخيل وجوده الغريب؟.

أكره تلك النظرة في عينيه، تلك العينين الصافيتين في وجه قذر ترسمان صورة مثالية لشيطان في أحد أفلام الرعب. أكاد أجزم أنه يعرفني، وأنه يعرفنا جميعًا، ففي عينيه البارقتين انعكاسًا لندمنا وأعمق آثامنا، تلك الآثام التي لا يعلم بها أحد سوانا ونهرب دومًا من تذكرها. من كل قلبي أتمنى أن يذهب إلى الجحيم!.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :