الكنيسة وزمان افتقادها
بداية ضياع الايمان
د. تيتو غبريال
لعلك اخي الحبيب تتسائل ما علاقة العنوانين بعضهما ببعض لكنك لو دققت فيما حولك
واستمعت لآهات الرعية ستدرك ما تعنيه كلماتى.
إننا نمر منذ فترة فى طريق غياب الايمان لأننا لم نعد بعد ننظر لأنفسنا ونفحصها جيدا كما قال الكتاب ( لاحظ نفسك والتعليم ) ،( ولا يعرف الانسان إلا روح الإنسان الساكن فيه ).
يصور لنا سي.اس.لويس فى سلسلة كتبه والتى تحمل اسم " نارنيا " ، ذلك الشعور الذى ينتابنا حين إلقاء نظرة فاحصة إلى داخل ذواتنا فنرى يوستيس بطل القصة وهو صبي صغير، يتحول الى تنين قبيح وكبير الحجم ، نتيجة ما يخبيء فى أعماقه من عدم اكتمال صورة السيد المسيح داخله وغياب الرؤية الصحيحة للهدف من حياته والطريق الذى سلك فيه ،وعدم ايمان وانانية وعناد ، لكنه فجأة يقرر العودة إلى طفولته ،ليرجع صغيرا كما كان ،الا أنه لا يتمكن من فعل ذلك لنفسه.
بعد وقت قليل ، يظهر الأسد أصلان " الذى يمثل السيد المسيح " ليجد له حلا ويقوده نحو" بركة " جميلة كى يستحم فيها ، لكن بسبب حجمه الكبير كتنين لا يتمكن يوستيس من الغطس فى تلك البركة ، فيساله أصلان أن يخلع ملابسه ، فيتذكر يوستيس حينذاك بأنه لا يستطيع فعل ذلك ، لا يمكن له نزع جلده عنه كما يفعل الثعبان ، إلا أنه يحاول نزع طبقة واحدة من جلده السميك ، وبالفعل ينجح فى نزعها ، فيمسكها بيده ، ويلقيها على الأرض ، الأمر الذى يشعره بالراحة. ثم يعاود الذهاب الى تلك البركة ، لكنه لا يتمكن مرة أخرى من الغطس فيها بسبب وجود طبقة جلدية أخرى ، أكثر سمكا وصعوبة ، أشبه بالقشورالتى تغطى جسم السمكة ، لا تزال عالقة على جسده . وهنا نراه يحدث نفسه، ويسألها، وهو يشعر بالكثير من الاحباط والألم والشوق، بسبب رغبته الشديدة فى دخول تلك البركة. الجميلة ، فيقول :" ترى كم عدد الطبقات التى على نزعها عنى ؟"
ويستسلم فى النهاية بعد أن يتمكن من نزع ثلاث طبقات من جلده ، إلا أنه يدرك حقيقة ما هو عليه ، فهو غير قادر على نزع باقى الطبقات التى تعيق غطسه فى تلك البركة الجميلة.
لكن الأسد أصلان يقول له : " عليك أن تدعنى أنزع عنك طبقات جلدك". فيقول يوستيس : " كنت أخشى مخالبه ، لكنى اشعر الآن بالرغبة فى الاستسلام ليده ، سوف استلقى هنا على ظهرى لادعه يقوم بما يريد عمله.
كانت البدايه صعبة ومؤلمة ، شعرت بأن الألم يخترق قلبى ، إنتابتنى آحاسيس صعبة ، لا يمكن أن تنتاب إنسانا ، ألم صعب لم يمر على من قبل. حسنا لقد نزع عنى أقسى الطبقات وأسوأها ، أسمك طبقة كانت على جسدى . كنت أظن بأننى فى نزعى لثلاث طبقات ،قدسهلت الأمر ، لكنى فهمت كان لابد من نزع تلك الطبقة الأصعب ،وأنا قادرا على فعل ذلك.
أشعر الآن بنعومة لا مثيل لها ، بملمس رقيق دافيء... ثم بعد أن أنهى عمله ، وقف ليحملنى ويلقى بي فى الماء. عند نزولى إلي الماء ، شعرت بذات الألم الذى سبق لى وشعرت به من قبل ،لكن للحظات فقط ، بعدها إمتلأ قلبي بالفرح ،صرت أسبح فى كل الاتجاهات ، واعطي فى الماء مستمتعة ، فرحا ،القى برذاذ الماء من حولى ، فى كل مكان.
لقد إختفى الألم تماما ،ذهب الحمل الكبير الذى طالما أثقل عاتقى ، ثم علمت السبب ،لقد عدت صبيا صغيرا من جديد . بعد برهة قليلة اخرجنى الأسد أصلان من الماء ،وألبسنى بمخالبه القوية ثيابا جديدة ،وهى التى ترونها الان.
"إن سمة التقدم الروحى هو فى فحص الرعاة لانفسهم مثلهم مثل الرعية وهذا أمر كتابى ( لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك ، لأنك إذا فعلت هذا ، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا . تيموثاوس الأولى) والكنائس المرتشدة بالروح القدس يقع اولا على خدامها ضرورة الفحص الدورى لقلوبهم وان يسعوا دوما لخدمة هذا الفحص والوقوف على تقدم خدمتهم لشعب الكنيسة فالخادم الصالح عليه أن يسلك وفقا لما سلك الراعى الصالح ( السيد المسيح ) ،وليس كرد فعل لما يحدث معه . فالسيد المسيح المعلم الأعظم هدم حجاب الهيكل ليقترب من الناس خاصة الخطاة والمعوزين والمحتاجين والفقراء والمرضى والمنبوذين والسجناء وكل من يستعبد للخطية ( تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال ، وانا اريحكم . مت11).ويجعلهم يتقربون إليه ومن أجلهم نقض حجاب الهيكل الذى كان يفصل بينه وبين الناس. .
لكننا نري الآن أن الرعاة قد أعادوا ليس حجابا واحدا بل جسورا بين الله يسوع المسيح والناس بعدما أخذوا ما له وما ليس لهم . ظنين أنهم ينجزون العمل بشكل جيد من خلال بناء الكنائس الفاخرة وتفخيم الكنائس القديمة وتعظيم كيانهم وكأنهم لا يدروا أو لا يريدوا أن يدروا أنهم يسبحون فى فضاء مظلم ينتابهم فيه مشاعر تاءهة وخدمة مفقودة وسراب ملكوت. عوضا عن بناء النفوس المحتاجة والتى ترزح تحت وطأة الفقر والمرض والجهل وطقوس بالية ولا يعنيهم إلا لوم النفوس المتسربة إلى الخارج ( على حد تفكيرهم ) بدعوى خروجهم عن الإيمان الصحيح دون النظر ولو للحيظة للسبب الحقيقي لخروج هؤلاء من الثقوب التى لم تعد ثقوبا بل أبوابا وهم الذين أقاموها دون غيرهم فعلى الرعاة لاتمام خدمتهم إصلاح البيت من الداخل ولن يتم ذلك إلا إذا أحب الرعاة الرعية .حينئذ سيشعر القادة بآلام جسد الكنيسة ومشاكلهم واحتياجاتهم وحين يتحدون بهم سيشعرون بالامهم .وسوف يفض هذا الالم مضاجعهم وسيحفزهم ذلك نحو التغيير ويدركوا كم هم محتاجين إليه . وسيصرون عليه عندما يتأكدوا أن الم التغيير أكثر احتمالا من ألم البقاء عليه ، لأن الالم يولد لدينا جوعا واحتياجا غير عادى للتغيير. لأن الرعية من كثرة الالم لم يعد فى عيونها دموع تسيل على غيرها فالمسافة كبيرة جدا بين الرعاة والرعية ولابد للرعاة أن يعرفوا ويدركوا مشاكل الرعية ويعوا كيفية تطبيق الحلول لمواجهة هذه المشاكل فالرعية أصبحت كالطير المذبوح الذى يرقص مذبوحا من الالم.
الكنيسة وزمان إفتقادها
الرعاة يأخذون ما لله
كلمة سيدنا
لقد استباح الأباء المطارنة والأساقفة ( قديما كان يقال للأسقف الأب الأسقف ) كلمة سيدنا وكسروا تعاليم المخلص فإسمعه يقول (وأما أنتم فلا تدعوا سيدى ، لأن معلمكم واحد المسيح ، وأنتم جميعا إخوة ، ولا تدعوا لكم أبا على الأرض ، لأن أباكم واحد الذى فى السموات ، ولا تدعوا معلمين ، لأن معلمكم واحد المسيح . وأكبركم يكون خادما لكم . فمن برفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع.( متى ٢٣). وبلغ من التعظيم أن قال أحد الآباء ينبغى أن يعامل الاسقف كملك !؟ تخبرنا القراءات الكنسية فى الثانى من كيهك من انجيل معلمنا متى البشير " أسهر ا إذا لانكم لا تعلمون فى اية ساعة ياتى ربكم . واعلموا هذا ؛انه لو عرف رب البيت فى اى هويه ياتى السارق ، أسهر ولم يدع بيته ينقب .
لذلك كونوا انتم ايضا مستعدين ، لانه فى ساعة لا تظنون ياتى ابن الانسان ." فمن هو العبد الأمين الحكيم الذى أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام فى حينه ،؟ طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده بجده يفعل هكذا ! الحق اقول لكم : أنه يقيمه على جميع أمواله . ولكن أن قال هذا العبد الرديء فى قلبه : سى يبطيء قدومه . فيبتديء يضرب العبيد رفقاءة وياكل ويشرب مع السكارى. ياتى سيد ذلك العبد فى يوم لا ينتظره وفى ساعة لا يعرفها ، فيقطعه ويجعل نصيبه مع المراءين . هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.
( متى ٤٢:٢٤ - ٤٧ا) . لاحظ هنا أن السيد له المجد اوكل عبد على رفقاءه العبيد ولم يقل عنه أنه سيد . .واختم كلماتى بهذه القصة التى ذكرت فى بستان الرهبان -تدببر الارادة صفحة ١٢٧-وقد سؤل شيخا : " بماذا تشبه رهينة وكهنوت القدماء ورهبنة وكهنوت زماننا هذا؟" فأجاب قائلا :" كان انسان غنيا وحكيما ، يطلب المسك الخالص ، فلما لم يجد المسك الحقيقي الذى يريده ، قطع المسافات برا وبحرا حتى وصل إلى الصين حيث قدم هدايا للملك الذى هناك ، وسأله أن يعطيه مسكا ، وطلب إليه أن يقطعه هو بيده، فلما أخذ المسك ورجع ، أعطاه لأولاده وأولاده بدورهم أعطوه بعضهم لبعض ، وقليلا قليلا غشوه وخلطوه بما يشبه المسك الحقيقي فى اللون ، ويختلف عنه فى الرائحة ، ومع تمادى الزمن بقى الزغل ( التقليد ) موضع المسك الحقيقي ، وعدمت رائحته ، وبقى الشكل والأسم فقط.
هكذا الآباء والكهنة والرهبان والخدام ( القدماء ) ، فإنهم تجاسروا على الحياة والموت ، وذاقوا كل التجارب ، وإحتملوا الضيقات، وقدموا ذواتهم ذبيحة حية روحانية ، ووهبت لهم المعرفة الروحانية ، وساروا مسكنا لله ، وحيوا بالاسرار . ثم ! واتصل الشرشيئاً فشيئاً،حتى انتهوا بالشكل فقط.
السجود
نحن أمام كسر أخر لوصية إلهية فلنسمع ما يقوله الرب الاله ( للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد) لكن السجود أصبح لهم أمر حتمى ولا بركة لمن لا يسجد . كذلك رفض بطرس سجود كرنيلوس له يقول الكتاب (فأقامه بطرس قائلًا :" قم " أنا أيضا إنسان "- لاحظ عزيزى أننا نتكلم عن بطرس رسول السيد المسيح العظيم -.والسجود ليس علامة على الاحترام والتوفير ، بقدر ما هو إشارة للإذلال والتحقير. - للحديث بقية -
تقبيل اليد.
أصبح تقبيل اليد هو الأساس وليس تقبيل الصليب . ورأينا اليوم اليد التى تبارك أصبحت تلطم وتضرب وتنهر بقسوة دون أسف عن النتيجة مفتقدة أساس ما تفعل وهو الحب.
_عصا الرعاية
لم نرى الراعى الأعظم ( السيد المسيح ) ممسكا بعصا ولا رسله ولا ندرى بالتحديد متى بدأت هذه العادة وفى الغالب أنها إستكمالا لبروتوكول كلمة الراعى فهى من صنع البشر مثلها مثل كلمة البابا وهذا ما نطلق عليه الطقوس البشرية . الغريب أن العصا أصبحت تستخدم للخراف لتاديبهم وليست لإبعاد الذئاب التى لم تعد من خارج الحظيرة فقط بل من داخل الحظيرة بعد تحول كثير من الرعاة والحملان لذئاب .
الرهبنة
نشاءنا ونحن ندرك أن الرهبنة هى ترمومتر الحياة الروحية المسيحية وبعد أن كان مفهومها التخلى عن الكل للالتصاق بالواحد وهو السيد المسيح أصبح الهدف هو السلطة والتحكم والسعة لمناصب كنسية أعلى دون الاعتماد علي الروح وأصبح المؤهل شرط الرهبنة وهنا نتساءل من يقود الكنيسه الروح ام العقل.- للحديث بقية -
الحل والربط
استخدام الربط أصبح أكثر من استخدام الحل لهذا بعدت الكنيسة عن الهدف الذى من أجله منحها الله إياه .وينبغى أن يجلس الجميع معا لتحديد وتقنين هذا المبداء.كما قال معلمنا بولس الرسول ( حسب السلطان الذى أعطانى إياه الرب للبنيان لا للهدم .(كورنثوس الثانية ). – للحديث بقية -
عبادة السبت
لقد بكت السيد المسيح اليهود لأنهم عظموا السبت عن الإنسان وقال لهم: إنى اريد رحمة لا ذبيحة ، لما حكمتم على الأبرياء ! فإن ابن الانسان هو رب السبت أيضا .
( متى : الثانى عشر ) فالسبت جعل للإنسان وليس العكس فالإنسان افضل من السبت. وهنا نتساءل لماذا يثور البعض وهم ليسوا بقليل علي كل صوت يطلب الوحدة الكنسية حتى ولو فى الاعياد فقط .وعلي اصحاب هذا الفكران يدركوا ان العقيدة القوية لا يهزها وقت والمسيح حامى كنيسته .والان سأسوق لكم قطعة من انجيل بشيرنا مار مرقس الإنجيلي " فأجابه يوحنا قائلا : "يا معلم ، رأينا واحدا يخرج شياطين باسمك وهو ليس تبعنا , فمنعناه لانه ليس يتبعنا " . فقال يسوع : " لا تمنعوه ، لانه ليس أحد يصنع قوة بإسمى ويستطيع سريعا أن يقول عليا شرا ، لأن من ليس علينا فهو معنا . لأن من سقاكم كاأس ماء باسمى لأنكم للمسيح ، فالحق اقول لكم : إنه لا يضيع أجره. ( مرقس ٩: )
والكاثوليك والبروتستانت يكفيهم حملات التبشير وطباعة الكتاب المقدس فالذى فعلوه أكثر من كوب ماء .وليس حسنا أن تتهمهم بأخذ أولادنا بل علينا أن نبحث عن السبب الرئيسى لترك اولادنا كنيستهم التى نشاؤا فيها. – هناك الكثير فى هذا الموضوع ليس مجاله هذا المقال -.
وختاما يتميز جسد الكنيسة التى نما أعضاءها فى الروح القدس وإستمدوا منه تقدمهم وفكرهم وإيمانهم وصبرهم وقوتهم أمام الشدائد .وعلى من يقودون الأن أن يتذكروا الماضى ويتفحصوه جيدا ليستطيعوا أن يفهموا وييدركوا العلاقة المتشابكة بين طبيعة شخصيتهم فى الحاضر وبين ما كانو عليه فى الماضى.
إن الفزع الحقيقى الذى يمكن أن يغزوا حياتنا ، هو قناعتنا بأن خدمتنا كبيرة ومنسقة وجميلة والشعب خاضع ومطيع لنا ولطقوسنا التى من صنع أفكارنا . لكننا فى الواقع نعيش فى كذبة جميلة ،ووهم مريح بعيدا عن الحقيقة ،بينما حياتنا مشوهة وهشة.
وتحضرنى الان كلمة " داج همرشولد" السكرتير العام الأسبق للأمم المتحدة " لقد أصبحنا ماهرين فى اكتشاف الفضاء الخارجى، لكننا لم نتطور فى مثل تلك المهارات لكشف فضاءنا الشخصى الداخلى"
وكتب يقول " إن اطول رحلة على الإطلاق يأخذها الانسان هى تلك التى يقوم بها داخل أعماقه" .ومن له اذنان للسمع فليسمع....