■ لماذا تكتب فى القضية السكانية للأسبوع الرابع؟
- ومستعد، أن أكتب فى نفس الموضوع للأسبوع المائة. ذلك أن القضية «مسكوت عنها» وموسمية التناول، ويكفينى التنبيه بها ودق جرس التنبيه لأهميتها. فى يوم من الأيام كان عندنا مجلس قومى للسكان ولا أعرف مصيره. ودائماً نشير إلى القضية دون أن نفتح أبوابها المغلقة. ورغم أن لدينا متخصصين فى السكانيات، مازلنا «متفرجين»، ما لم يصدر من القيادة السياسية إشارة اهتمام، والقضية السكانية قضية معنوية تعتمد على «وعى» المجتمعات بها. هى ليست بناء مصنع أو كوبرى أو شق طريق. والأرقام فيها لا تكذب أو تتجمل إنما هى أرقام صادمة تدق ناقوس الخطر. من هنا وجب الاهتمام والدراسة الميدانية والحوار المجتمعى إن أمكن. وأعود لأنبه أن تناولنا الموسمى للقضية يجعلها تستفحل بمرور السنين وإهمالها! وقد عشنا زمناً نكره الأرقام ونخاصمها إلى أن جاء الوقت الذى تستوجب فيه قراءة الرقم قبل تحليل الظاهرة. والمشكلة السكانية ترتبط بارتفاع منسوب الوعى؛ ولهذا تتفشى ظاهرة المناطق العشوائية الأكثر إنجاباً!
■ هناك انطباع بأن سكان مصر مركزون فى الوادى والدلتا، وهناك تزاحم شديد فى الوادى والدلتا وباقى مساحة مصر لا يشغلها سوى نسبة بسيطة من السكان، فهل الأرقام تؤيد ذلك؟
- هذا صحيح. فمساحة مصر مليون كيلومتر، الصحراء الغربية تشكل ٦٨٠ ألف كيلومتر، والصحراء الشرقية تشكل ٢٢٠ ألف كيلومتر مربع، وسيناء تشكل ٦٠ ألف كيلومتر، والوادى والدلتا يشكلان ٤٠ ألف كيلومتر مربع، أى أن ٩٨٪ من سكان مصر يقيمون على ٤٪ من مساحتها، وباقى سكان مصر «حوالى ٢٪» يقيمون على ٩٦٪ من مساحتها.
■ هل نستنبط أنه لدينا مشكلة توزيع جغرافى للسكان وليست لدينا مشكلة زيادة سكانية، وإذا انتشر السكان على كل سطح فى مصر، فلن تصبح لدينا مشكلة سكانية؟
- يقول الخبراء إن هذا صحيح لو توفرت الموارد الطبيعية التى تسمح بالحياة فى صحراء مصر الشاسعة، والمشكلة تكمن فى عدم توفر المياه اللازمة للنشاط الزراعى، وهى المهنة التى يمتهنها جزء كبير من المصريين. هناك حقائق بالأرقام، المحافظات التى بها كثافة سكانية منخفضة هى محافظات مرسى مطروح والوادى الجديد والبحر الأحمر وشمال وجنوب سيناء، وسكان هذه المجتمعات وفقاً لتعداد ٢٠١٧ كانوا أقل من مليون نسمة، والزيادة السكانية فى هذه المحافظات لا تزال محدودة إذا ما قورنت بعدد سكان مصر. فعلى سبيل المثال ما بين عام ١٩٩٦ و٢٠٠٦ زاد عدد سكان هذه المحافظات من ٨١٨ ألف نسمة إلى ١.٣ مليون نسمة، أى أقل من نصف مليون نسمة فى ١٠ سنوات، وفى العشر سنوات الأخيرة «الفترة بين تعدادى ٢٠٠٦ و٢٠١٧» زاد بأقل من ٣٠٠ ألف فى ١١ سنة، أى أن الزيادة السنوية فى هذه المحافظات فى الفترة الأخيرة أقل من ٣٠ ألفًا سنوياً، علماً بأن مصر عدد المواليد بها تجاوز ٢.٥ مليون خلال ٢٠١٧ أى أن الزيادة السكانية فى هذه المحافظات فى السنة الواحدة تعادل مواليد ٤ أيام. ومعنى هذا ٢.٥ مليون سنوياً تعادل حوالى ٧ آلاف مولود يومياً، وهو رقم صادم يستدعى التأمل والتروى والدراسة لأنه غير مطمئن!
■ هل الزيادة السكانية المرتفعة هى نمط سائد فى كل الدول النامية، وبما أننا جزء من العالم النامى فلا مبرر للقلق من هذه المعدلات؟
- القيم السائدة فى أوروبا تختلف عن السائدة فى مصر فيما يتعلق بالقيم الإنجابية. والسياق الاجتماعى الثقافى السائد يختلف من حيث مستوى التعليم ومستوى مساهمة المرأة الاقتصادية ونمط الحياة بصفة عامة، ولكن معظم الدول النامية التى تتشابه معنا فى المستوى الاقتصادى والتى تشاركنا بعض القيم السائدة- نجحت فى تخفيض عدد المواليد بحيث وازنت بين الزيادة السكانية والموارد الطبيعية وقدرتها على تقديم الخدمات الأساسية التى تتطلع لها الشعوب، ومن ثم شهدت تحسناً ملحوظاً فى نوعية الحياة. إن معدلات الزيادة السكانية فى مصر تفوق وبوضوح المعدلات السائدة فى عدد كبير من الدول النامية، فمعدلات الإنجاب فى مصر تفوق مثيلتها فى إندونيسيا وتركيا وإيران والمغرب والجزائر وتونس والمكسيك والبرازيل وبنجلاديش وفيتنام، ناهيك عن الهند والصين، ويترتب على ذلك أن الفجوة فى نوعية الحياة مرشحة للاتساع ليس بين مصر والدول المتقدمة ولكن بين مصر ودول نامية. وعلى المستوى الإقليمى هناك ٣ دول تتمتع بحجم سكان كبير هى مصر وتركيا وإيران. وتقدر الأمم المتحدة أن عدد سكان مصر سيصل بحلول ٢٠٣٠ إلى ١٢١ مليون نسمة، وإيران إلى ٩٣ مليون نسمة وتركيا إلى ٨٩ مليون نسمة، وبحلول عام ٢٠٥٠ تتوقع الأمم المتحدة أن يصل سكان مصر إلى ١٦٠ مليون نسمة مقابل ١٠٣ ملايين نسمة فى إيران و٩٧ مليون نسمة فى تركيا. ومعنى ذلك أن كل دولة يمكنها أن تجد الأسلوب المناسب فى ضوء السياق الثقافى والاجتماعى السائد فيها لضبط معدلات الزيادة السكانية على نحو مناسب فلا تأكل جهود التنمية المبذولة!
■ هل نحن على الطريق الصحيح لمواجهة الزيادة السكانية؟
- لا بد من وضع نظام متكامل للمتابعة والتقييم يعطينا البوصلة التى نعلم بمقتضاها هل نحن على الطريق الصحيح أم لا. وتبين لنا المجالات التى نجحنا فيها والمناطق الجغرافية التى نجحت فيها جهود ضبط الزيادة السكانية، وبالتالى وهذا هو المهم إعادة توزيع الموارد لتحقيق أهداف السياسة السكانية. لا بد من تحديث المعلومات فى مجالات مهمة منها اتجاهات الشباب نحو الأسرة الصغيرة ومنها معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة على مستوى المحافظات ومنها أسباب انقطاع الأسرة عن تنظيم العدد، ولعل غياب هذه المعلومات يؤدى إلى عدم معرفتنا بالنجاحات للتوسع فيها وعدم معرفتنا بالإخفاقات للتعامل معها دون تأخير.
■ ما المطلوب منا الآن؟
١- التعامل مع الزيادة السكانية باعتبارها مسؤولية الجميع وليست مسؤولية الحكومة فقط أو وزارة الصحة فقط.
٢- تعديل الاتجاهات الإيجابية لتبنى مفهوم الأسرة الصغيرة «ينطبق عليها المثل السويدى (لنكن أقل عدداً وأسعد حالاً)».
٣- لا بد للإعلام الذكى غير المباشر أن يلعب دوراً محورياً ويخاطب كل الشرائح الاجتماعية طبقاً للنمط الثقافى السائد.
٤- من المهم رفع نسب استخدام وسائل تنفيذ تنظيم الأسرة من خلال إتاحتها بجودة عالية.
٥- احتضان المسجد والكنيسة هذه الاتجاهات الإيجابية لضبط النمو السكانى.
٦- بناء منظومة متابعة وتقييم على المستوى المحلى يترتب عليها أسلوب للثواب والعقاب.
٧- أخذ البعد السكانى فى الاعتبار عند اختيار البرامج والمشروعات التنموية.
وظنى أنه يجب تشجيع «الجمعيات الأهلية» على استعادة دورها الذى كانت تقوم به فى الماضى.
وظنى أيضاً أن أعداء هذا التفكير العاقل فى ضبط الزيادة السكانية هما: الجهل والفقر!
مراجع المقال:
1- تدقيق الأرقام والنسب. مؤسسة بصيرة.
2- أوراق الباحث الوزير د. ماجد عثمان.
نقلا عن المصري اليوم