عادل نعمان
لا تشمتوا فى مصائب الناس، فنحن الأسبق والأسرع فى كل المصائب، ولا تعايروهم إن طالتهم كارثة من الكوارث، فنحن كوارثنا تمشى على أربع منذ قرون، وما زالت، وشدوا على أيديهم، ومدوا لهم يد العون والمساعدة، فربما نحتاجها بعد يوم أو بعض يوم، فوالله لو خرجت عن حدود السيطرة لطالت البعيد قبل القريب، وعجز الشامتون قبل المناصرين والمدافعين. المحن والشدائد ليست انتقاماً إلهياً، وليست تصفية حسابات، فلا المصائب عقوبة إلهية للمخطئ، ولا النجاة منها مكافأة من الله للصادق الأمين، ولسنا فى صفوف متراصة بطول الدنيا تنتقى الملائكة الصالحين من الأذى، وتحاصر الشياطين الكافرين بنارها من خلق الله، وإلا كنا أولى الناس أن تكون نارنا التى أشعلناها برداً وسلاماً من يوم أن أشعلها الأولون المؤمنون، وكان حصادها بالملايين، وما زالت قائمة، وفاقت مصائب الدنيا كلها من الأمراض والزلازل والحروب والبراكين، وكل تسونامى وسارس وكورونا حتى نهاية العالمين.
وأكاد أجزم أن الصين، بمؤازرة ومساعدة القوم الكافرين والمشركين، ستسحق كورونا فى معركة قادمة حامية الوطيس، بالجدية والعلم والعمل والثبات والدقة، وتعزله، ويرفع لها الراية البيضاء، دولة تقيم لهذا المرض مستشفى كاملاً، بأسرّته وغرف العناية المركزة والعزل والعمليات والاستقبال والتحاليل والفحص دون تدليس أو تزوير فى ستة أيام هى قادرة على النيل من هذا المرض والقضاء عليه، دولة يلتزم فيها المريض بالنظام الصارم، وينفذ الأوامر والتعليمات بطاعة كاملة عمياء، دون مجادلة أو هزار يساعد دولته على اجتياز المحنة، دولة تتعامل بصدق وشفافية وتصارح العالم بخطورة الوباء، ليمد لها العالم يد المساعدة والعون حتى تعبر الأزمة بدلاً من الدعاء عليها، فهى دولة لا تكابر ولا تعاند ولا تخفى أمراً مخجلاً، دولة تعزل مدناً بأكملها وتحاصرها بقوات الجيش حتى لا يخرج منها مصاب أو يدخل لها معافى سليم، وتنفذ الأوامر بصرامة فائقة، والتزام كامل، دون ضجر أو زهق، تحاصر المرض وتنهكه ويخرج منها، عالم متحضر واعٍ يعلم أنه إذا رفع الأذى عن شعب نجا ونجا العالم أجمع دون شماتة أو غل أو حقد، كل هذا كفيل أن تمر هذه الأزمة مهما علا سقفها فى أمان وسلام، هذا هو العالم المتحضر الواعى الذى يعرف حدود المحن وتداعياتها دون مكابرة أو غباء، وليخرج من صفوفه الحاقدون والشامتون.
ولأن المرض والمصائب والكوارث لها أسبابها العلمية، وليست ارتجالاً أو مصادفة، أو معروضة فى غرفة المقاصة لتوزيع التهم ونصيبها من المصائب، أو البراءة وحقها فى الخلاص، فلا نجاة إلا باتباع المنهج العلمى والأخذ بالأسباب، ينجو ويسلم من أخذ بها، ويهلك ويباد من أهملها وأدار ظهره لها، أكان قريباً أو بعيداً عن الله، مؤمناً أو ملحداً. الأسباب، أيها العقلاء، متاحة أمام الجميع، سلم وأمن من أخذ بها، وفشل واعتل من أسقطها من حساباته.
والشماتة فى المحن والمصائب استعداء للغير واستعلاء عليه، وتأكيد على الإخفاق والفشل، ودليل على الخيبة والحمق والإحباط، وعجز عن العيش فى حب وسلام ووفاق، وهو مرض لن يبرأوا منه طالما كان لهم سند من تراث وفتاوى من مشايخ الغبرة، فهذا أحد مشايخهم الكبار «ابن تيمية شيخ الإسلام» يقرر عليهم «وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك، لأنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، ويجب معاداته وبغضه وإهانته»، فهؤلاء مأمورون ببغض وكره وإهانة غير المسلم، بل والشماتة فى مصائبه، والشماتة أعلى درجات الكره والغل، وكلما ارتفع سقف الكره والعداوة والشماتة، كان فضلهم على الشيطان عظيماً. والغريب أن هؤلاء الذين أصابهم من البعض سهام الشماتة لم يتناولنا أحد منهم بسوء يوم تدافع الحجيج فى منى ومات الآلاف واحداً تلو الآخر فى مشهد مأساوى، ولم يقسُ يومها فى مصيبتنا أحد، ولم يشمت فينا شامت، ولم يعايرنا بموتهم واحد، ولم نسمع من حرّضنا على ديننا، أو استفزنا على مقادير الله، أو قال قائل منهم: أبناؤكم كانوا أولى بالحماية والوقاية، فهم حجيج الله وزواره، وحق على المزور أن يكرم الزائر وأن يحميه طالما كان فى بيته وركابه، ولم يفرح فى مصيبتنا أحد يوم وقوع الرافعة على المعتمرين فى الحرم ومات من كان يطوف أو يسعى ملبياً، وأصيب من أصيب، وكانوا جميعاً فى بيت الله، وفى رحابه الآمن.
ولأن الدنيا دوارة، وتفتح الأبواب على من حبسته يوماً، وتقيم الدنيا على من أقعدته آخر، وهذا اليوم عليهم وغده علينا، ومصائبنا أكتر من «الهم على القلب» فلا داعى أن نعاير الناس، أو نستعلى عليهم، أو نشمت فيهم، ونجعل لهم الشياطين ولنا الملائكة الحافظين، فلو أمسكوا لنا الخيط من أوله لسحبوا كوارثنا، واحدة وراء الأخرى، ندور ونلف حولها دون أن تنتهى، وعايرنا الصغير قبل الكبير، فقولوا للناس حسناً، ومدوا لهم يد العون والمساعدة، أو اصمتوا حتى تمر المحنة فى سلام فينجو الجميع وأنتم معه.
نقلا عن الوطن