بقلم: نبيل عبد الملك
قد تبدو هده القضايا، أو بعضها، جديدة عند بعض الأقباط، وخصوصا: مستقبل مصر كدولة. فربما يبدو للكل الآن أن مستقبل مصر تحت حكم الإسلاميين في خطر، وخاصة فيما يتعلق بوضع الأقباط تحت حكم هدا التيار السياسي.
ولكن، يبدو لي ولغيري من بعض المهمومين بأمر مصر، أن المشكلة المصرية ليست بنت اليوم، كما أن النظام تحت حكم الإسلاميين لن يكون أسوأ من النظام تحت حكم مبارك تحديدا، فالمسألة لم تعد تتعلق بأشخاص، إنما بأنظمة ومنظومات حكم متجذرة لا يمكن أن تتغير بمجرد انتهاء حكم فرد وحلول حكم فرد آخر أو جماعة.
وبصرف النظر عن مدى سؤ حكم أي من الفريقين، البائد أو الحالي، فالمسألة ليست بالبساطة لكي يُحكم عليها بهده الطريقة، وخصوصا أن النظام البائد قد ترك مصر ومؤسساتها كدولة في شبه شلل، كما أن المجتمع المصري بكاملة قد أصابه التخلف من عدة نواحي.
وعليه فالمسألة ليست بنت اليوم، وبالتالي فعلاجها يحتاج إلى أجيال من التخطيط وإعادة بناء الدولة وتأهيل المجتمع إدا ما أردنا تحقيق التغيير للأفضل لمصر ولكل فئات الشعب المصري، مسلمين وأقباط.
أما عن وضع الأقباط، فهو كذلك مرتبط بالمجتمع ككل، وبطبيعة الدولة ذاتها ونظامها، وليس مجرد من يحكم. كما أن ما يتعرضون له من ظلم متعدد الوجوه والطبائع فهو أمر كائن من عقود، وإن ازداد سوءا مؤخرا مع إزدياد سوء حال البلاد وبقية الشعب المصري.
المسألة الثانية، أي ماذا يريد الأقباط، تبدو واضحة لعموم الأقباط، فقد صرخوا بها لعقود وإلى الآن، ولم يحدث أي علاج لها. وهو شئ يبعث على الحيرة عند البعض، والغضب عند الآخر، والثورة عند الأجيال الشابة.
ومعلوم، وحسب ما يضجر به الأقباط، فما يريدونه باختصار هو:
- ممارسة شعائرهم المسيحية من خلال بناء الكنائس دون عراقيل، أسوة بما يحدث بالنسبة لبناء المساجد،
- إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية للمسيحيين توافق عليه الكنيسة، ويتفق مع النص الإنجيلي،
- وقف عمليات التغرير بالفتيات المسيحيات القصر أو خطف بعضهم وتغيير ديانتهم إلى الإسلام قسراَ، الأمر الذي يستلزم، كما يقولون، إعادة "جلسات النصح والإرشاد"، للتأكد من عدم وقوع هؤلاء الفتيات تحت الضغط أو الإكراه، أو كضحايا لعليات الخطف وتجارة الجنس،
- منع التمييز ضد الأقباط في العديد من الوظائف، سواء العامة أو المناصب القيادية وتهميشهم في الحياة السياسية، وفى التمثيل السياسي على المستويين الوطني والمحلي،
- وقف عمليات العدوان الجماعي ضدهم على مستوى القطر كله، وما يرتبط بها من عمليات قتل وحرق ونهب ممتلكات، دونما محاكمة رادعة للمعتدين أو تعويض للمضارين، الأمر الذي يشير بوضوح إلى تواطؤ من السلطات جميعا، التنفيذية والتشريعية والقضائية.
قد تكون هناك أمور أخرى، أو تفاصيل لهذه الانتهاكات والمظالم، ولها أهميتها، ولكن المجال هنا لا يسمح بذكرها، فالهدف من هذه الورقة ليس سرد المظالم بتفاصيلها كلها، إنما بطرح السؤال الحرج، والذي أعتبره مفتاحا للحل الكامل لكل المشاكل أو المطالب أو الحقوق التي يطالب بها الأقباط!
هدا السؤال الحرج، ومفتاح الحل، هو "كيف يحقق الأقباط مطالبهم العادلة جميعا؟"
لقد أثبتت الأيام والسنين الطويلة أن الشكوى والمطالبة بنيل الحقوق لم تأت بنتيجة، من هنا ينبغي على الأقباط أن يعيدوا النظر في الأساليب القديمة والمستهلكة وغير المستجابة. وذلك:
- بالغور في طبيعة هذه المشاكل التي يعيشونها ويعانون منها،
- بالبحث في آليات حل هذه المشاكل على المستوى الوطني – المحلي، واستخدامها بفعالية،
- بالبحث في آليات حل هذه المشاكل على المستوى الدولي- وتوفر الإمكانيات لإستخدامها بفعالية.
هناك تفاصيل للعناصر الثلاثة سالفة الذكر، سأتناولها في مقال قادم. كما أدعو كل نشطاء الأقباط لكي يشاركوا في طرح رؤاهم حولها.
ولكن، لكي لا يتوه البعض في عموميات مستهلكة، أو يعاودوا اللجوء إلى المطالبة بتحقيق مطالب من أصحاب القرار، عليهم تنظيم أنفسهم في الداخل والخارج في شكل مؤسسي قادر على خلق، أو استخدام، آليات سياسية وقانونية ومجتمعية، للتأثير في الواقع المصري لينعكس عليهم، تنظيما وفعالية، وبالتالي تتحقق "حقوقهم" المشروعة، وليست "المطالب" من خلال مواصلة المطالبة بتحقيقها!
بمعنى آخر، وبكل وضوح، الحل لن يتأتي إلا من خلال قيام "مؤسسة مدنية " (تجمع ممثلين من داخل مصر وخارجها) لها اختصاصاتها المتعددة القادرة على الاهتمام بشئون الأقلية القبطية (بكل طوائفها) العامة والخاصة، لمواجهة كل ما يتعرض له عموم الأقباط، وللتعاون مع السلطات الوطنية لتحقيق كل الأهداف المشروعة.
إن قيام مثل هده المؤسسة "المدنية" ودعمها من أقباط الداخل والخارج ماليا وعلميا، يمكن أن يكون لها دور إيجابي في دعم مصر على المستويين السياسي والاقتصادي والعلمي، وليس فقط حل مشاكل الأقباط. وهذا هو المدخل السليم والطريق العملي للمشاركة في نهضة مصر الوطن.
________________
* رئيس المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان