كتب – روماني صبري
غيب الموت أمس الممثل الأمريكي من أصل روسي "كيرك دوجلاس" عن عمر 103 عاما، وكان دوجلاس من أساطير عصر السينما الذهبي، إذ كون ثنائي مع المخرج الكبير "ستانلي كوبريك" في نهاية الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ليقدما أشهر أفلامهما اللذان كفرا خلالها بالحروب والعبودية، حيث رصد فيلمهما " "سبارتاكوس" حياة العبيد الذين تكبدوا الذل والتنمر في عهد الإمبراطورية الرومانية، حتى يكفر "سبارتاكوس- دوجلاس" بقوانين هذه الإمبراطورية العنصرية ويثور ضدها عبر قيادته ثورة العبيد الثالثة في تاريخ الإمبراطورية الرومانية حتى يظفر العبيد بحياة أدمية، وبالفعل ينجح في اجتذاب الآلاف العبيد، ليهدد عرش الإمبراطورية الرومانية التي ظن قادتها في البداية أن ثورة هؤلاء تشبه تجمعات النمل أو الحشرات.
اشعر بالخجل لانتمائي للبشر
وفي عام 1957 ذهب بنا الرجلين إلى خضم الحرب العالمية الأولى في فيلم " دروب المجد" الذي فضح الحرب وقادتها والفيلم مأخوذ من رواية للكاتب والروائي همفري كوب، ويتناول الفيلم مأساة مجموعة من الجنود الفرنسيين يواجهون حكم الإعدام كونهم قرروا الانسحاب من معركة الخنادق جراء ما تكبدوه من فشل بعدما أحبط العدو هجماتهم، وسط إصرار قائدهم على عدم الانسحاب، وفي اجتماع عسكري يرفض قائدهم (الكولونيل داكس – دوجلاس) رميهم بالرصاص فيظل يكثف من جهوده طوال أحداث الفيلم حتى لا يعرفهم الموت، إلا أن قادة الجيش يرفضون ويقولون له هذه قوانين العسكرية هم أبطال لا ننكر ذلك لكن من الواجب أيضا أن يكون هؤلاء عبرة لباقي الجنود، فيختص رجال الجيش بقوله :" أيها السادة هناك أوقات اشعر فيها بالخزي والخجل كوني انتمي للجنس البشري"
العالم يعرفه بالأسطورة
وأبدى نجله الممثل الأمريكي مايكل دوجلاس وزوجته "كاترين زيتا جونز" حزنهما الشديد لرحيل دوجلاس، وقال دوجلاس الابن لمجلة بيبول :" والدي كان أسطورة في كل بقاع العالم، فنان فريد من عصر السينما الذهبي ظل سعيدا كونه شارك في أفلام هامة في تلك الفترة .. لطالما امن طوال حياته بحقوق الإنسان وطالب الحكومات بتطبيق العدل، لذلك ستظل القضايا الإنسانية التي امن بها مصدر إلهام للجميع ".
تجاربه الصعبة
في عام 1991 تكبد دوجلاس تبعات تجربة قاسية، ألمت به ويحكي الراحل في مذاكراته "تسلق الجبال"، انه كان على متن طائرة هليكوبتر يقودها صديقه الطيار والفنان نويل بلاند، ومساعد الطيار مايكل كارا، وأقلعا من أحد المطارات في كاليفورنيا ليصطدما بطائرة استعراضات على متنها طياران فتوفيا على اثر ذلك."
موضحا :" لن أنسى هذا التاريخ أبدا.. في جزء مريع من الثانية حدث التصادم وتحولت الطائرة الاستعراضية إلى كرة من النار في مشهد مريع ومحزن، بينما سقطت طائرتنا من على بعد 20 ـ 40 قدما من السماء هبوطا، لنصطدم بأرض المطار، كنت حينها فاقدا للوعي لأفيق لاحقا حيث نجوت أنا ومن معي، لأطرح من يومها سؤالا واحدا هو لماذا مات من كان على متن الطائرة الاستعراضية، لماذا بقيت على قيد الحياة ؟! .. ولفت إلى أن ميكانيكي طيران اسمه داريل ركض باتجاه حطام الهليكوبتر، وبمنتهى الشجاعة أطفأ محرك الطائرة كي يمنعها من الانفجار، لينقذ حياته."
وكشف أن الناس دائما ما يسألونه عما شاهد أو سمع وقت وقوع هذا الحادث، فيرد عليهم :" وقتها لم أر أو أسمع أي شيء، لا أتذكر كيف تم سحبي من حطام الطائرة ووضعي في سيارة الإسعاف واحضاري إلى الطوارئ وإجراء الفحوصات المختلفة .. علمت من على سريري بالمستشفى اسم الضحيتين اللذين رحلا في حادث التصادم.. في مكان ما وليس بعيدا عنى وجدت كيف تغيرت حياة أقارب ومحبي الراحلين، كما أن حياتي تغيرت منذ ذلك الوقت إلى الأبد".
بعد ذلك في عام 1996، أصيب دوجلاس 1996 وهو في الثمانين من عمره، بجلطة في المخ أقعدته وعلى أثرها أيضا لم يستطع الكلام إذ أثرت على أعصاب وجه، وللهروب من كنف الحزن الذي الم به قرر حضور حفل الأوسكار لتسلم "جائزة إنجاز العمر" عن مجمل أعماله، حيث كان يفكر كثيرا في الانتحار جراء هذه الجلطة.
"بطل" دوجلاس
ولوسامته الشديدة وملامح وجه القوية كان دوجلاس محل إعجاب المنتجين، إذ قدم أكثر من 90 فيلم ناجحا وسرعان ما دفع باسمه إلى قائمة نجوم الشباك، لدوره الكبير والملفت في فيلم "البطل" إنتاج 1949، ليترشح على إثره على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل.
محارب الفقر
ولان طفولته زخرت بالفقر الشديد، انشأ دوجلاس مؤسسته الخيرية لمساعدة الفقراء واللاجئين، وقال في تصريحات للصحافة عام 2015، انه في طريقه لضخ ثروته البالغة 80 مليون دولار، في الأعمال الخيرية مثل بناء دار للنساء للمشردات، ومدرسة عامة بولاية لوس انجلوس، إلى جانب جامعة وعدة مستشفيات.
وفي نفس العام خلال احتفاله بعيد ميلاده الـ99 قرر التبرع بـ 15 مليون دولار لصندوق السينما والتلفزيون، بهدف أنشاء مبنى يحتضن العاملين في هذا القطاع لاسيما المصابين منهم بالألزهايمر.
دوجلاس من قائمة الفيلم الأمريكي
وكان نجح الراحل في احتلال المرتبة 17 على قائمة معهد الفيلم الأمريكي بين أعظم أساطير سينما هوليوود الكلاسيكية، وتكريما لإسهاماته الفنية توج بوسام الحرية الرئاسي.