محمد حسين يونس
الزائر العابر لمدن دول البترول في السعودية ، الخليج..( التي أصبحنا نقلدها و نعتبرها المثل الأعلي ) سيدهشه حجم التغييرات التي تمت خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا لا تتجاوز عقد أو عقدين .
أغلب هذه المدن ( بعد إرتفاع اسعار النفط عام 1973 وتراكم فائض بالمليارات لا يعرف أصحابه كيف ينفقونه ) أصبحت تدار بآخر أساليب منجزات التكنولوجيا الحديثة التى اختارها لهم وصممها ، أنشأها ، أدارها وصانها مجموعة من المغامرين الأجانب الباحثين عن مكاسب عقود الانشاء والتشغيل والادارة في بلاد شديدة الحرارة شديدة التخلف .
أطلعت بنفسى على عقد صيانة وتشغيل شبكات كهرباء وقعته المملكة العربية السعودية مع شركة أمريكية ، فذهلت من حجم الأموال التى تنفقها المملكة على الخبراء الاجانب والامتيازات التى يتمتعون بها ، فضلا عن الحماية التى تضعهم فوق القانون ( والشريعة ) فى مرتبة القوات المحتلة ( سلميا )..
إن المأزق الذى اوقع هؤلاء الأغنياء الهطل أنفسهم فيه يتلخص فى أن شركات العالم قدمت لهم خدمة متطورة شديدة التعقيد والتركيب بحيث يصعب على العامل المحلى تشغيلها أو صيانتها ، وبعد انتهاء فترة الضمان يبدأ الابتزاز عن طريق قطع الغيار وبرامج التشغيل الالكترونية والصيانة الوقائية المركبة ، والذى ينتهى عادة بتوقيع عقود إدارة مستمرة ذات عائد جارى يتخطى بمراحل قيمة الأصول الثابتة لمفردات الخدمة .
التكنولوجيا الحديثة يبيعها الغرب لمجموعة من الكسالى محدودى القدرات مغيبى الهدف والطموح وهو واثق أن ( الزبون ) الغنى سيعود اليه زاحفا مع أول توقف أو عطل يرجوه أن يصلح له ما أفسده عقله البدائى .
بمعنى أن الكويت يمكنها أن تطبق أحدث نظم تنقية مياه الصرف الصحى لدرجة أن تستخدم المياه الناتجة و تعبء للشرب، ولكن من الذى يدير هذا العمل المركب ويحافظ على درجة نقاء المنتج .. أفراد مستوردون غير كويتيين ، فالكويتى مشغول بإصدار قانون يسمح بانشاء سوق نخاسة وشراء جوارى للرجال وعبيد بيض وشعرهم أصفر للنساء يستخدمونهم لأغراض شبقية ولتحسين النسل .
حكومة دبى يمكنها ان تصبح حكومة اليكترونية تجيب جميع طلبات المواطنين بواسطة الكمبيوتر ، ولكن حجم الفوضى التى حدثت بعد ذلك جعلها تستورد من يشغل البرامج ويدخل البيانات ويصون الشبكة ويجعلها فاعلة تجدهم هناك من جميع الجنسيات الا الخليجى الذى يعمل إما مديرا أو بيه فراش.
يمكن للملكة العربية السعودية إمتلاك أحدث أنواع الطائرات المقاتلة وشبكات الصورايخ ، ولكن من الذى يصونها ويشغلها !! إنها جالية أمريكية من رجال ونساء شقراوات يسرن بدون غطاء رأس وبملابس حديثة عارية متحديات المطوعين الذين إذا اقترب أحدهم منها وجد نفسه ملقى على ظهره فوق الأرض والجميع يسخر منه.. السعودى البدوى يترك المسكن الحديث المعد له لتسكنه غنماته تستمتع بأكل الموكيت والحوائط وينام هو وعائلته فى خيام مجاورة
و قريبا بنجاح باهر سنرى الروس يسبحون في البحر المتوسط و هم ينشئون و يديرون مفاعل نووى .. لإنتاج الكهرباء . لمصر
فى أى اجتماع يتم بمدينة عربية ستكون معرضا لأن تجد التليفونات المحمولة للمجتمعين تؤذن فيما يشبه المظاهرة التى تتصارع فيها أصوات المؤذنين المختلفة مع الآذان القادم من الميكروفونات الخارجية ورنات الساعات المنبهه بالاضافة الى من يفتح الباب ويطلب من المجتمعين الانضمام لطابور الصلاة ..
من الذى ابتكر هذا !! من الذى صمم أن تؤذن التليفونات والساعات !! إنهم علماء من الصين استغلوا توق المسلمين الأغنياء لإداء فروض دينهم وقدموا لهم تكنولوجيا اسلامية .
هل فعلها سعودى ، يمنى ، مصرى ، كويتى .. لا .
تقترب من كمبيوتر أحدهم فتجد أنه قد سجل عليه القرآن الكريم مكتوبا ومسموعا ومرتلا والتفاسير وبرامج تسمح بذكر عدد المرات التى كتبت فيها كلمة بعينها أو حدث ما أو أرقام الآيات والصور ، من الذى جهز له هذا البرنامج .. علماء من الهند .
تطلب تليفون أحدهم فيأتيك من الطرف الآخر اغنية يغنيها شخص أجنبى برطانة من لا يتقن العربية ولكن يتقن مداهنة المسلمين بمدح رسولهم .
تطلب من شركة تصميم إعلان عن منتج معين فتجد من يعترض على أن يتضمن الاعلان سيدة حتى ولو كانت منقبة أو زجاجة خمر أو علبة سجائر ، وعندما تناقشه يشهر فى وجهك عشرات الأحاديث والأقوال وتكون النتيجة درس دينى بدلا من إعلان أو برنامج ناجح ..
الشركة التى تستخدم أحدث أنواع كمبيوترات ( أبل ) وتدفع الآلاف لشراء برامج معقدة تسلمها لشخص ملتاث غير متفهم لبديهيات مهنته .
العقل البدوى عندما يمتلك التكنولوجيا يسخرها لأسلوبه فى الحياة ، يقود السيارة كما لو كان يقود حصانا ، ويركنها كما يركن البعير ، ويتكلم بصوت عال فى التليفون المحمول ، ويستخدم الانترنت كجالب لأفلام البورنو ، والكمبيوتر كآلة كاتبة .
البدوى حرفته الأولى كانت الرعى ثم تطورت للتجارة أو الإغارة ، مهن لا تتطلب منطق وفكر بقدر ما تتطلب مهارة أداء ، لذلك فهو يحفظ لا يدرس ، يتعلم بالتقليد والمحاكاة والتكرار ، يستخدم سلاحه ويده قبل عقله ولسانه .. البدوى ثقافته سمعية يتلو أقوال وأشعار الغير ولا يعترف بمنطق أو فلسفة ، ومن الصعب عليه أن يبتكر أو يسلك طريقا بعيدا عما درج عليه والده ، لا يعدل من نمط حياة أجداده .. لذلك فهو عندما يصطدم بالتكنولوجيا الحديثة يسارع بانكارها .. ثم يلعنها ، فيدينها على أساس انها من أعمال الشيطان والكفرة ، ثم يقترب بحذر فيستخدمها مكرها .. عندما تتحول الى جزء من حياته كالتليفون أو السيارة أو الطائرة ، يظل هناك حاجز نفسى بينه وبينها يجعله يقصر استخدامه لها على الحد الادنى من جهد الاستيعاب ويفضل أن يستخدمها له آخرون .
وهو قد يشيئها ويعتبرها كائنا منفصلا له استقلاليته ، يرضى عنه عندما يتحرك بسلاسة ويغضب عندما يتعطل وهو فى كلا الحالتين لا يستوعب أن العطل او العمل له أسبابه الفنية الخاصة وانما بسبب أن الآلة غير سعيدة بالعمل الذى يطلبه منها،
هكذا كان دائما يتعامل مع بعيره ومع الكائنات المختفية فى ليل الصحراء، فالبدوى لا يستطيع أن يتعرف الا على الشكل الخارجى و علي الية الاستخدام ولا يريد أن يغوص لمعرفة النظرية والحسابات والجوهر الذى صممت على أساسه الآلة أو برامج الصيانة وعلاج الأعطال لذلك يتركها دائما لمن يؤجرهم لكى يديرون له أدواته.
العقل البدوى فى الغالب عقل بدائى وهو لهذا لا يستوعب المعادلات الرياضية أو التفاعلات الكيميائية أو منطق عمل عناصر الحياة معا ، وهو عليه ألا يناقش منطق تواجدها أو قدرتها بمقدار ان يسعى لرضاها أو منع آذاها ، لذلك فهو يتعامل مع التكنولوجيا الحديثة على أساس انها معطيات خارج قدراته الذهنية عليه ألا يناقش أساليب تصميمها أو عملها أو صيانتها ،
بينما يسعى لرضاءها، إما بتلاوة بعض الأدعية أو وضع رموز تمنع الحسد أو ضمان وجود كتابه المقدس للتبرك وضمان ألا تتوقف فجأة دون إنذار ، رضاء وغضب الماكينات أسلوب للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة لا يقوم به الا البدو حتى ولو لبسوا بدل وأحذية( سيفتي ) ولم تكن لهم لحى تنبئ عن غفلتهم وسذاجة منطقهم .
بقى أن العقل البدوى الذى عاش به انسان الجزيرة العربية قبل الاسلام لم يختلف كثيرا عن عقل ما بعد الاسلام حتى بألف وأربعمائة سنة ..و للسادات قصة شهيرة تشرح هذا فعندما وجد الباحثون ان مومياء رمسيس الثاني تتضرر و ان العالم سوف يلوم عصره علي الاهمال في صيانة التراث البشرى ..ماذا فعل امر بدفن جميع المومياوات في مكان العثور عليها بحجة اننا شعب مسلم لا يعرض موتاه للمشاهدة من الاخرين انه نفس منطق اى بدوى عاجز عن فهم معطيات العصر .
هل يختلف المصريون الأن كثيرا عن هذا الإسلوب في التفكير و السلوك و المنهج .. إسأل نفسك ستجد أن بدويا متربعا داخل مخ الحاكم يبتسم بخبث فخورا بإنجازات الأكبر و الأطول و الأضخم .. التي يقوم بها الخواجات .
و أنه بإنجازاته المكلفة و بتبذيره غير المفهوم سيتسبب في كوارث للأجيال القادمة لانه ببساطة لم يخطر علي بالة سؤال ... ترى كيف سندفع ثمن تشغيل هذه التكنولوجيا المركبة .. و نحن نستدين و نشحت ثمنها .. أم سنعيد بيعها كما يخطط البعض مع محطات سيمنس لتوليد الكهرباء.