سحر الجعارة
هذه المرة أكتب بحبر الانتصار بعد طول نضال «دفاعاً عن الأمن القومى» من «النقاب» الزى الذى استخدمته الجماعات الإرهابية فى التفجيرات ونقل الأسلحة وتهريب المجرمين، النقاب الذى تحول إلى «تابوه» مقدس تتحرك «كتائب الحسبة» لحمايته من المبدعين والمفكرين، النقاب الذى أصبح «رمزاً سياسياً» لاستعراض قوة التيار السلفى فى الشارع المصرى أو ما يمكن تسميته «سلفنه الدولة»!.
البداية كانت بقرار من الدكتور «جابر جاد نصار»، رئيس جامعة القاهرة السابق، الذى وضع رأسه على كفه واتخذ قراراً بمنع المنتقبات من تدريس عدة مواد ترتبط -بالضرورة- برؤية الوجه فى جامعة القاهرة.. ومن بعده اتخذ قراراً بحظر ارتداء النقاب على الممرضات وأعضاء هيئة التدريس بكلية الطب والقائمات على رعاية المرضى بالمستشفيات الجامعية التابعة لجامعة القاهرة!.
انتفض «خفافيش الظلام» وملأوا المجتمع ضجيجاً، وصراخاً على الفضائيات ودعاوى قضائية فى المحاكم، وتحريضاً للمنتقبات على «التظاهر».. ودخل النقاب «قفص الاتهام»، وبعد عدة سنوات أسدلت المحكمة الإدارية العليا الستار على قضية ارتداء النقاب بجامعة القاهرة.
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها إن «حرية الفرد فى اختيار ملبسه تندرج ضمن الحرية الشخصية التى كفلها الدستور ولا يتقيد الفرد العادى بأى قيود تفرضها عليه جهة الإدارة وله أن يرتدى ما يروق له من زى، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، وإنما عليه أن يمارسها فى حدود احترام الآداب العامة».
وأشارت الحيثيات إلى أنه إذا كان الأصل أن يتمتع الموظف العام بحرية اختيار الزى الذى يرتديه أثناء عمله بشرط أن يتوافر فى الزى الاحترام اللائق بكرامة الوظيفة، فإن هذه الحرية قد تحمل قيوداً تنص عليها القوانين واللوائح أو القرارات الإدارية أو العرف الإدارى أو تقاليد الوظيفة، فعلى سبيل المثال «يلتزم ضباط القوات المسلحة والضابطات بارتداء الزى الذى يحدده القائد العام للقوات المسلحة».
ما أعلمه يقيناً -كما يعلمه كل المشتغلين بالقانون- أن أحكام النقض تُعد بمثابة «مبدأ قانونى»، وهذا معناه أن أى دعوى قضائية أخرى تطالب بارتداء النقاب فى المحاكم الابتدائية لا بد أن تُرفض من حيث «الشكل والمضمون»، وبالتالى لن أدخل فى الجدل المثار من بعض السلفيين وهواة الشهرة حول الحكم الذى لا يجوز التعليق عليه.
فقط نسأل عن مدى إمكانية تطبيق هذا الحكم على باقى الجامعات والمؤسسات العامة؟.. المحكمة ألزمت فى حكمها العاملين بالجامعات بالمادة 96 من قانون تنظيم الجامعات، وهى ذات المادة التى تلزمهم بتدعيم الاتصال المباشر مع الطلاب، بما يعنى ألا ينعزل عضو هيئة التدريس عن الطلاب ولا يحجب نفسه عنهم أثناء المحاضرات وغير ذلك من الأنشطة الجامعية.. إذاً أى رئيس جامعة أخرى «غير جامعة القاهرة» لا يطبق هذه المادة يقع فى مخالفة قانونية فجة! فجامعة القاهرة هى مؤسسة عامة اعتبارية، وبالتالى من حق باقى المؤسسات العامة تطبيق القرار والاستناد إلى حكم «الإدارية العليا» باعتباره باتاً نهائياً وغير قابل للطعن عليه، فالحكم سيسرى على المؤسسات من حيث الطبيعة والأسباب.. لكن «الحكومة» للأسف لا تتحرك لتسيطر على توغل السلفيين على الدولة المدنية رغم أن بيدها حكماً قضائياً باتاً.. ورغم ما تردد عن مناقشات فى «مجلس النواب» حول تعميم الحكم على باقى مؤسسات الدولة إلا أننا -عادة- نسمع ضجيجاً ولا نرى طحيناً!.
كان لا بد أن يتحرك «مجلس النواب» حين قال فضيلة الإمام الأكبر الأزهر'> شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب»، فى حوار تليفزيونى: «النقاب ليس فرضاً ولا سُنة وليس مستحباً، بل هو أمر مباح».. أى يدخل فى باب «الزينة».
وأضاف الإمام الأكبر أنه «إذا طلب رب العمل من منتقبة أن تخلع النقاب يجب عليها أن تخلع النقاب، ورب العمل لا يلام إطلاقاً. والذى يريبنى كثيراً أن مُدرسة فى فصل بنات تجد البنات منتقبات، وهى منتقبة، لم تفعل هذا؟.. ربما كان خلف هذا شركات تصنع وتروّج وتبيع النقاب.. هناك سبب لا بد من هذا الاهتمام غير العادى بنشر النقاب».
شيخ الأزهر «مستريب» من ظاهرة انتشار النقاب الذى يدخل فى «باب الزينة»، مستريب من انتشاره فى المدارس.. والحكومة هادئة.. محايدة، لم تحمِ الدكتور «جابر نصار» حين كان معرضاً للاغتيال بسبب شجاعته وقراره الجرىء، بل لم تحمِ أحداً من مناهضى النقاب الذين حاصرتهم قضايا الحسبة ولاحقتهم لعنات السلفيين وتعرضوا للتصفية الأدبية.
معنا حكم تاريخى من أعلى هيئة قضائية، وتأييد المرجعية الدينية للتشريع.. والحكومة تتنهد وتتثاءب ولم تقرر بعد أن تضعه فى خانة الخطر على الأمن القومى للبلاد!!.
لماذا تتركون أصنام الانتهازية السياسية ووكلاء الله على الأرض يستغلون المرأة للاستحواذ على «سلطة ما».. سلطة تفرض سطوتهم على البسطاء وعامة الشعب، وتمد نفوذهم وكأنهم دولة موازية أو كأنهم يحكمون البلاد من الباطن؟.
هل نسى أصحاب القرار أن النساء والأطفال شكلوا «دروعاً بشرية» ضد اقتحام اعتصامى «رابعة والنهضة» المسلحين.. حتى مجمع البحوث الإسلامية أصدر قراراً عام 2009، بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الدراسة بجامعة الأزهر نفسها؟!.
إما أن يدخل النقاب فى ملفات «الأمن القومى» للبلاد.. أو تدخل مصر فى نفق مظلم يحكمه السلفيون ويفرضون فيه حكمهم وحكومتهم التى يتزعمها «ياسر برهامى وسامح عبدالحميد».. وغيرهما.
امنعوا النقاب.. فثورة السلفيين المزعومة لن ترهب الشعب الذى أسقط الإخوان بميليشياتهم وأعوانهم وعملائهم.. إذا احتل النقاب الشارع فلن يتبقى فى خريطة مصر موطئ قدم لسائح أو مستثمر أو طفل يلهو فى أمان.. وعليكم أن تختاروا: إما النقاب أو الاستقرار والتنمية.. ولا أغالى إن قلت النقاب أو «بقاء الدولة».
نقلا عن الوطن