بقلم: عادل جرجس
إن المتابع للملف القبطي وما يحتويه من مشكلات تزداد يومًا بعد يوم منذ عقود طويلة وحتى يومنا هذا، يتعجب من أن ذلك الملف لم يطرأ عليه أي تغير إيجابي نحو حل مشكلات ذلك الملف أو حتى وجود أي بادرة أمل في هذا الشأن، على الرغم من أن هناك العديد من الجهات والهيئات الحقوقية والعالمية والدولية والمحلية التي تحاول أن تخطو بهذا الملف ولو حتى خطوات بطيئة نحو إنهاء ما يحتويه من صراعات، ومع أن الملف القبطي هو ملف حقوقي ومواطني بالدرجة الأولى وعلى الرغم من أن هناك حراك سياسي قد بدت مظاهرة واضحة خلال السنوات القليلة الماضية هذا الحراك الذي أثر إيجابًا على بعض القضايا مثل الطفل والمرأة، إلا أن الملف القبطي لا يزال قابعًا حيث ما يقبع أو بالتعبير الدارج "محلك سر" على الرغم من ارتفاع الأصوات التي تطالب بحل مشكلات هذا الملف، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل لماذا يظل الأقباط ومشكلاتهم وملفهم كما هم بدون أي حلول؟
والحقيقة أن وراء تعسر الملف القبطي حركة سياسية وإجتماعية برجماتية هي الأكبر داخل مصر، تلك الحركة هي التي تقف في طريق إعطاء الأقباط أي حق من حقوقهم المواطنية أو السياسية أو الدستورية وتضم ألوانًا وأطيافاً كثيرة تأتي على منابع ومشارب مختلفة، بل أحيانا تكون متضادة تلك الحركة هي "حركة سبوبة"، فلقد أصبح الأقباط وقضاياهم والمزايدة عليهم وسيلة للإرتزاق المادي والأدبي بل لا يخلو الأمر من تحقيق مكاسب سياسية، والحركة لها هيكل تنظيمي محكم تمت فيه تحديد المهام والوظائف بشكل محدد وغير مسموح لأي مستوى فيه أن يتعدى حدوده أو يخرج عن الدور المرسوم له، كما أنه تم ترسيم الصلاحيات والسلطات داخل الحركة ويأخذ الهيكل التنظيمي لحركة سبوبة الشكل التالي:
1- جماعة الإخوان المسلمين وهي المنسق العام للحركة وتقع في أعلى التنظيم وهي تعمل على تديين الشارع المصري وأسلمته، ويكون ذلك بخلق تيار من الكراهية ضد الأقباط وكل ما يخصهم بدعوى حماية الهوية الإسلامية للبلد ومحاربة ما يزعمون من حملات التبشير والتنصير، ويعمل الإخوان على تقديم أنفسهم للمجتمع على أنهم الخندق الذي يجب أن يحتمي به المسلمون في مواجهة حملات التنصير المزعومة وهو ما يخلق عداء لكل ما هو قبطي، ونحن هنا لا نتجنى على الإخوان، ففتوى مفتي الجماعة عبد الله الخطيب بعدم جواز بناء كنائس وهدم ما هو موجود منها في ديار الإسلام ليست ببعيدة عن الأذهان كما أن تصريحات محمد حبيب النائب الثاني لمرشد الإخوان بعدم جواز ولاية غير المسلم ما زال صداها يتردد، وهو ما دعا قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية- أن يتعجب من تلك التصريحات لأنه كما قال قداسته لا يجوز مع هذا المبدأ تعيين قبطي حتى في وظيفة بواب لأنه بهذا سوف يكون له ولاية على بوابة للمسلمين، والأمر لا يقف عند حد المستويات الدنيا من الجماعة بل أنه قد وصل لأعلى مستوى تنظيمي في الجماعة وهو المرشد العام الذي يرى أن المسلم الماليزي أقرب له من المسيحي المصري.
كل تلك الفتاوى الإخوانية وغيرها الكثير دخلت في مارثون هجومي على الأقباط لكسب ود وعطف الشارع الإسلامي والذي أخذ يتسع يومًا بعد يوم ليحقق الإخوان مكاسب سياسية وشعبية على حساب القضية القبطية والمزايدة عليها.
2- نأتي بعد ذلك في الهيكل التنظيمي لحركة سبوبة للأعضاء المؤسسين، وأكبر هؤلاء الأعضاء وأكثرهم فاعلية هم مؤسسات الدولة، فلقد تنبهت الدولة إلى أن الإخوان المسلمين يسحبون البساط من تحت أقدامها في الشارع السياسي عن طريق أسلمه هذا الشارع عن طريق شكلاً وليس مضمونًا وحيث أن الدولة لا تمتلك من وسائل التدين لا الشكل ولا المضمون فقررت أن تزايد الدولة على الإخوان في القضية القبطية لتكون تلك القضية هي سبوبة الدولة السياسية لكسب تأييد الشارع المصري لتدخل في مارثون الهجوم على الأقباط، فأصبح الإخوان يصدرون الفتوى وتقوم الدولة بعمل اللائحة التنفيذية للفتوى، فإذا ما أفتى الإخوان بعدم جواز بناء الكنائس تعنتت الدولة في إصدار تراخيص الكنائس، وإذا أفتت الجماعة بأن العائد إلى المسيحية مرتد امتنعت الدولة عن إثبات ذلك في الأوراق الرسمية، وإذا خرج موتور من الجماعة ينادي بعدم ولاية القبطي على المسلم نجد أن كل وظائف الدولة سواء التي تختص بالولاية أو غير الولاية خالية من الأقباط، والأخطر من ذلك إذا ما حدثت أي حوادث طائفية ضد الأقباط وممتلكاتهم ومنشآتهم غضت الدولة البصر عن الفاعلين وتتهرب من تقديمهم إلى المحاكمة وحتى إذا قدموا للمحاكمة تخرج الأحكام مثيرة للدهشة.
3- ومن الأعضاء المؤسسين لحركة سبوبة كل الطيارات (بالطاء) الليبرالية، فهي مثل الطيارات تهب فجأة في سماء الجماعة السياسية لتطالب بالحرية للأقباط و البهائيين والنوبيين والكفرة والمشركين تهب بصوت عالي وما يلبث صوتها حتى يختفي رويدًا رويدًا بعد أن تكون قد رصدت فاعليتها وأعدت تقاريرها المصورة لتقدمها إلى جهات تمويلها لاستمرار الدعم المادي لها وتكون قد استفادت من سبوبة الأقباط.
4- يبقى بعد ذلك لجان الحركة المتشعبة وهي كثيرة، فهناك اللجنة الإعلامية للحركة والتي تضم كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، فعلى الرغم من اختلاف وتضاد سياسات تلك الوسائل إلا أنها تتفق في شيء واحد ألا وهو الهجوم على كل ما هو قبطي، ولما لا إذا كان هذا الهجوم يحظى بقبول ويضمن الرواج لتلك الوسائل الإعلامية؟ فكل وسائل الأعلام تهاجم الأقباط من منطلق حرية الرأي فإذا ما حاول الأقباط أو الكنيسة الرد هوى سقف تلك الحرية على رأس الأقباط ولا يسمح لهم بالتعبير عن الرأي الآخر، كذلك اللجنة الفنية والأدبية وتلك اللجنة التي أطلقت لنفسها العنان في هدم كل ما هو قبطي من خلال إنتاج أفلام ومسلسلات وكتب وروايات..إلخ لتلاقي نفس الرواج الذي تلاقيه وسائل الإعلام.
5- يبقى أعضاء الحركة المؤثرين أو القياديين وهم كثر في كل المجالات مثل عمر أديب، ومنى الشاذلي، وزغلول النجار، ومحمد عمارة، ومرتضى منصور، ونبيه الوحش.. والقائمة كبيرة وممتلئة.
وهنا نجد أنفسنا أمام إشكالية كبيرة يجب حلها وفك طلاسمها ألا وهي.. قبل أن نشرع في حل مشاكل الأقباط ألا ينبغي علينا أولاً مواجهه حركة سبوبة التي تعيق كل المحاولات الرامية إلى إغلاق الملف القبطي إلى حيث لا رجعة؟ ولكن كيف يتأتى ذلك؟
وأنا هنا أرى أن هناك أحد حلين وهما:
- طرد الأقباط من البلاد وتعقب كل الفلول القبطية التي تحاول الهرب من الطرد بالقبض عليهم والتنكيل بهم حتى يكونوا عبرة لمن لا يعتبر، وأن يتم وضع "سم فيران" في كل المخابئ والجحور التي يحتمل أن تختبئ فيها هذه الفلول حتى لا تكون تلك الفلول خميرة لتكوين جماعة قبطية مرة أخرى، وهو الحل الذي يقطع على حركة سبوبة كل سبلها في المزايدة على الشأن القبطي لأنه ببساطة لن يكون هناك بعد شأنًا قبطيًا، كما أن طرد الأقباط من مصر سوف يحل مشاكل كثيرة فسوف يكون هناك 12 مليون مسكن شاغرًا تحل أزمة الإسكان وتصبح 40% من الثروة في مصر مكاسب وغنائم ويتم محو الهوية القبطية لمصر من كل المناهج والمقررات المدرسية إلى آخر تلك المكاسب، وعلى الرغم من أن هذا الحل حلم يداعب جفون الكثيرين من الإخوان ومرشدهم السيد عاكف الماليزي إلا أنه وللأسف الشديد يبدوا خيارًا مستحيلاً لأنه على ما يبدو فإن الأقباط متمسكين ببقائهم في هذا الوطن وتاريخهم الحافل بالاضطهاد والعذابات شاهد على ذلك.
- أما الخيار الثاني والذي يكون قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع هو تكوين حركة شعبية من كل أطياف وتيارات المجتمع المصري المخلصين للقضية القبطية مسلمين ومسيحيين لمناهضة حركة سبوبة ولنطلق عليها "لا للسبوبة"، تلك الحركة التي أدعو كل الشرفاء والمخلصين لتكوينها وفضح كل المنتمين لحركة سبوبة وكشف نواياهم ومخططاتهم الخبيثة وعدم السماح لهم بالمزايدة على قضيتنا.
عادل جرجس سعد
كاتب وباحث