ظهرت عارضة الأزياء السودانية "أليك ويك" على غلاف عدد نوفمبر 1997 من الطبعة الأميركية لمجلة (Elle). التقط صورتَها المديرُ الفني الفرنسي "جيل بنسيمون"؛ فكان ذلك إنتاجا فنيًا عالميا، كما هو الحال عادة في دنيا صناعة الجمال.

التُقطت صورة ويك، ببشرتها السمراء ومسحتها الإفريقية الخافتة، على خلفية شاشة بيضاء ناصعة كادت تحجب بياض سترتها من علامة "جورجيو أرماني"؛ لكن حضور ويك كان قويًا.

وقفت العارضةُ في ركن وهي تنظر مباشرة إلى الكاميرا وقد علت ابتسامةٌ جذابة وجهَها الموسوم بمعالمه الإفريقية المليحة البَيِّنة أكثر من تميزه بالمنحنيات والزوايا الحادة (التي تُعد معيارًا للجمال من المنظور الغربي). فلقد كان مظهر ويك مختلفًا كل الاختلاف عمّا قد تبدو عليه فتاة جديرة بالظهور على غلاف مجلة.

بعد مرور أزيد من 20 عاما على ظهور هذه الفتاة في ذلك الغلاف (انظر الصفحة 95)، ما زال تعريف الجمال ومعاييره آخذا في الاتساع، فاسحًا المجال أمام نساء من ألوان شتى، وأخريات بدينات، ومصابات بالبهاق، وصلعاوات، وذوات شعر أشيب وتجاعيد. إننا نشهد انتقالا نحو ثقافة جمال شاملة تسع الجميع، فكلٌّ منا جميل، وكل منا يرى تصوره للجمال على صفحات المجلات أو على بساطات عرض الأزياء في باريس.

لقد بتنا أكثر انفتاحا بحكم أن الناس طلبوا ذلك وتظاهروا من أجله وتوسلوا بمنابر مواقع التواصل الاجتماعي لإرغام سدنة صَرْحِ الجمال على فتح الأبواب على مصاريعها.

لقد مثلّت ويك نظرةً جديدة للجمال؛ تلك الميزة التي دائمًا ما اقترنت بالنساء وظلت تشَكّل مقياسًا لقيمتهن الاجتماعية وأداةً تُوظَّف وتُستَغل. فيما مضى، إذ كان مستقبل المرأة رهينا بالزواج السعيد، كان يُقال إنه ينبغي للمرأة ألا تهدر جمالها، وينبغي أن يكون طموح الزوج وإمكاناته على القدر نفسه من رقة ملامحها وحُسنها.

بديهي أن الجمال مسألة ثقافية. فما يثير إعجاب جماعة من الناس قد لا يحرك ساكنا في أخرى وقد ينفّرها؛ وما يسيل لُعاب أحدهم، قد لا يعبأ به آخر. وصحيح أن الجمال مسألة فردية، لكنه عالمي أيضا؛ فثمة جمال كوني يمثله أولئك الذين صاروا نماذج معيارية.

ظل الجمال على مرّ أجيال متجسّدًا في القدّ الرشيق والصدر الرحب والخصر الأهيف والفك المرسوم والوجنتين الرفيعتين والأنف المستدق والشفتين الممتلئتين باعتدال. وظلت أجمل العيون هي تلك الزرقاء أو الخضراء الكبيرة اللامعة، وأروع الشعر هو الكثيف الطويل المسترسل، وإن كان أشقرًا فزيادة في الخير. كما كان تناسق الملامح ميزة مرغوبة، أما النضارة والحيوية فحدِّث ولا حرج.

كان ذلك معيار الجمال كما كرَّسته بواكير المجلات النسائية، يومَ أُرسيَت قواعد الجمال وفق معايير محددة تم تسويقها والترويج لها. فكانت النساء "الفاتنات" (من قبيل الممثلة "كاثرين دونوف"، وسيدة المجتمع "سي. زي. غيست"، والممثلة الأميركية وأميرة موناكو "غريس كيلي") الأقربَ إلى بلوغ تلك المعايير المثالية. وكانت المرأة كلما ابتعدت عن ذلك النموذج المعياري، صارت أغرب؛ أما ابتعادها كثيرا فكان يُنقص من جاذبيتها ويضعف الرغبة فيها ويقلل من قيمتها. أما بالنسبة إلى فئة من النساء -السوداوات والسمراوات أو البدينات أو المسنات- فقد بدا هذا الجمال مستحيل المنال.

وقد شهد تعريف جمال النساء تغيرا في غُرّة تسعينيات القرن الماضي مع مجيء "كيت موس" بنحافتها وجمالها الغريب وقصر قامتها مقارنة ببقية عارضات الأزياء؛ إذ لم يتجاوز طولها 170 سنتيمترا.

لم تكن هذه المراهقةُ البريطانية على قدر كبير من الحسن، وافتقرت إلى ما يضفي على غيرها من العارضات تلك الهالة الملكية. لقد شكل صعود نجمها في إعلانات علامة "كالفن كلاين" قطيعة كبرى مع مفهوم العارضات ذوات السيقان الطويلة في الماضي.

أربكت موس منظومة الجمال التقليدية السائدة آنذاك، إلا أنها ظلت في نطاق صناعة الجمال وفق المرجعية "البيضاء" الأوروبية. وقد انسحب الأمر نفسه على عارضات شابات في ستينيات القرن الماضي مثل العارضة البريطانية "تويغي" الأشبه من حيث البِنية بطفلة في الثانية عشرة من عمرها. ومع مطلع السبعينيات، جاءت "لورن هاتون" التي أثارت ضجة بسبب فلج بين ثنيتيها.