أولاً: قوة الغرائز:

 
1- يتجه العالم- من خلال ما يسمى الثقافة الكوكبية (Global Culture)- إلى نوع من السلوك الغريزى، حيث هناك موجه الحياة الغربية (الأمريكية والأوروبية) من الخضوع للغريزة، كموجه للسلوك الإنسانى والحياة اليومية. ويشهد على ذلك ما يتم بثه عبر الأقمار الصناعية والقنوات التليفزيونية فى أنحاء العالم، من مواد تخاطب غريزتين فى الإنسان: الجنس والمقاتلة. وكذلك ما ينتشر على «مواقع الإنترنت» مما يسمى Pornography أى المواد الإباحية المتعلقة بخطايا الجسد.
 
2- فى دراسة قرأتها فى الولايات المتحدة، قال أحد الكتاب عن الغرب إنه «مجتمع موجه جنسياً»، «Sex Oriented Society». هكذا يقول عنوان الكتاب، منتقداً الموجة العارمة من الانفلات الجنسى فى الغرب. وتقول الإحصائيات إن الشباب الأمريكى فيما بين سن 15-18 سنة، يمارس 12 علاقة فى المتوسط، مع 12 شريكا من الجنس الآخر، الأمر الذى يصيب هذا الشباب «بالإدمان الجنسى»، الذى يؤدى إلى «إدمان المخدرات». أما إدمان المخدرات فيقودهم بالضرورة إلى «إدمان الجريمة»، حيث تزايد العنف بشدة فى المدارس بالغرب، وذلك على مستوى الشجار المستمر فى المدارس، الذى يؤدى أحيانًا إلى القتل!!
 
3- هناك رباط وثيق إذن بين غريزة الجسد وغريزة المقاتلة والعنف. والمؤسف أن الإعلام الأمريكى ينمى هاتين الغريزتين فى الأجيال الصاعدة. والكل هناك يعرف ذلك، ويعترف بخطورته، ولكنها إمبراطورية المال التى تتحكم فى كل شىء، وتفرض نفسها على كل نشاط إنسانى. إنها نوع من «المافيا المدمرة»، التى تبيع كل مبدأ وخلق ودين وثقافة إنسانية فى مقابل المال، الذى محبته هى «أصل لكل الشرور» (1 تى 10:6).
 
■ ■ ■
 
ثانيًا: موقع الغريزة فى الكيان الإنسانى:
 
الشخصية الإنسانية لها خمسة أبعاد ومكونات:
 
1- البعد الروحى: المتصل بالروح، التى تتجه نحو الله، والتدين، والإيمان، والخلود، وتفكر فى «الماورائيات»، أى ما وراء الكون، والمادة، والزمن، والموت! إنه البُعد الذى ينمو فينا بالصلاة، وقراءة الكتب المقدسة، والتدين السليم.
 
2- البعد العقلى: ويتصل بالعقل، فالإنسان أصلاً روح عاقلة، استودعت فى الجسد الترابى، وهى نفخة من الله، فيها الحكمة والمعرفة والتفكير والدراسة.. وينمو هذا البعد فينا من خلال القراءة والثقافة، بأنواعها المختلفة: الثقافة الدينية والإنسانية والعامة!
 
3- البعد النفسى: ويتصل بالنفس، حيث الدوافع (الغرائز) والحاجات النفسية، وهما أمران موروثان. بالإضافة إلى أمور مكتسبة أثناء مسيرتنا فى الحياة، مثل: العواطف، والعادات، والاتجاهات. وتحتاج النفس منا إلى ضبط وليس إلى كبت، وهذا ممكن بعمل الله فينا، وبالجهاد الأمين فى الحياة اليومية.
 
4- البعد البدنى: ويتعلق بجسم الإنسان، ذلك الجسم الفسيولوجى التشريحى، حيث أعضاء الجسد كلها هبة مقدسة من الله، وأساسية للحياة، وتتحرك بناء على المكونات السابقة: الروح والعقل والنفس.
 
الجسد هو الخادم المطيع للقوى السابقة، وليس له ذنب أساسى فى الخطيئة، وإن كان محتاجاً إلى الضبط والسيطرة من خلال الصوم والصلاة والعبادة.
 
5- البعد الاجتماعى: ويتصل بتكوين علاقات مع الآخرين، بدءاً من الأسرة، إلى الجيران، إلى المدرسة، إلى دور العبادة، إلى العمل، إلى المجتمع... والكفاءة فى تكوين علاقات ناجحة هى من أهم علامات الصحة النفسية. لهذا يجب أن تحرص رعايتنا للشباب على إعطاء فرصة لهم لتكوين علاقات مقدسة وصداقات بناءة، وذلك من خلال الأنشطة المتنوعة، مثل: الحفلات والرحلات والمسرحيات والمعارض والنوادى الرياضية والمسابقات الفنية والمهرجانات.
 
الدوافع- إذن- هى جزء من المكون النفسى فى الشخصية الإنسانية، ولا يمكن فصلها عن بقية مكونات الطبيعة الإنسانية.
 
ثالثًا: الدافع أو الغريزة، لها ثلاثة عناصر:
 
1- الجانب الإدراكى (أفهم).. 2- الجانب الانفعالى (أنفعل).. 3- الجانب النزوعى (أتصرف).
 
- فغريزة مثل «الجوع للطعام» فيها هذه الجوانب الثلاثة: إذ يدرك الإنسان أن ما أمامه طعام صحى وسليم، فينفعل نحوه بانفعال الجوع، ثم يمد يده ويأخذه ويأكله.
 
- كذلك الغرائز الأخرى.. كالخوف وحب التملك وحب الحياة والاستطلاع والجنس.. كلها فيها هذه الجوانب الثلاثة.
 
 
* أسقف الشباب العام
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا المصرى اليوم