بقلم: يوسف سيدهم
انتهت انتخابات مجلس الشوري وأعلنت نتائجها, وبذلك اكتملت المجموعتان المنتخبتان من أعضاء البرلمان المصري بمجلسيه-الشعب والشوري-صحيح أنه يتبقي تعيين ثلث أعضاء مجلس الشوري بواسطة رئيس الجمهورية بعد انتخابه كما يقضي الدستور,لكن الآن وطبقا للإعلان الدستوري يمكن الشروع في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستتولي مهمة كتابة الدستور الجديد لمصر,إذ ينص الإعلان الدستوري علي اختيار أعضائها من النواب المنتخبين دونا عن المعينين.
لذلك لم يكن مستغربا عقب انتهاء انتخابات الشوري وإعلان نتائجها أن تحمل لنا الأنباء نبأ اجتماع الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة -الحائز علي القطعة الأكبر من الكعكة البرلمانية في كل من الشعب والشوري لتدارس الأمر,حيث أعلن الدكتور محمد مرسي رئيس الحزب استراتيجية الحزب بخصوص اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية وبدلا من التمسك بنص الإعلان الدستوري باختيار كامل الأعضاء المائة للجمعية التأسيسية من الأعضاء المنتخبين في الشعب والشوري,أعلن الحزب الاكتفاء باختيار أربعين عضوا من البرلمان بمجلسيه علي أن يفتح الباب لاختيار الستين الآخرين من خارج البرلمان لإتاحة الفرصة لتمثيل كافة التخصصات المطلوبة وسائر أطياف المجتمع غير الممثلة في البرلمان.
تصريح الدكتور محمد مرسي يمثل تحولا إيجابيا يستحق التفاعل معه من شتي التيارات السياسية,فقد احتدم الجدل طويلا حول نص الإعلان الدستوري المتصل باختيار الجمعية التأسيسية كتابة الدستور وتضييقه السبل لتنحصر في الأعضاء البرلمانيين بما يحمل ذلك من شبهة وضع تلك المهمة الوطنية الخطيرة في أيدي أية أغلبية سياسية,فيحول دون التمثيل المتوازن لأطياف الشعب المصري في الجمعية علاوة علي افتقارها للخبرات الدستورية والقانونية اللازمة لكتابة الدستور...أي أن الأمر كان يهدد بفقدان التوافق الشعبي والخبرة لحساب أغلبية سياسية راهنة لايمكن أن تترك وحدها لتوجه صياغة الدستور في اتجاه أيديولوجية تخصها أو رؤي تنفرد بها.
الآن أصبح الباب مفتوحا لاختيار متوازن للجمعية التأسيسية,فقط مطلوب أن تخلص النوايا لتحقيق هذا التوازن بالعمل المشترك وبالإقدام نحو الترتيب لمائدة وطنية تجمع فرقاء اللعبة السياسية...لكن هل ذلك المسعي سهل المنال؟....للأسف يبدو أنه ليس كذلك,فعلي الفور عقب تصريح الدكتور محمد مرسي انطلقت موجات الرفض والتشكيك والتخوين من جانب التيارات السياسية الأخري وسائر المنابر الإعلامية والمعنيين بكتابة الدستور...كلها تري في التصريح مجرد مناورة سياسية للسيطرة علي الجمعية التأسيسية,وترسم السيناريوهات التآمرية لفرض تيارات بعينها حتي من خارج البرلمان.
لست أقطع بصحة النوايا الحسنة التي صدرت عن رؤية حزب الحرية والعدالة,وفي ذات الوقت لا أملك دليلا علي صحة الشكوك التي لم تجد فيها سوي مناورة سياسية,إذا ما العمل؟...أتصور أن الأمر يستحق الإقدام علي الانخراط بشجاعة في مسار اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية وفق القسمة التي أعلن عنها حزب الحرية والعدالة,وعلي كل الأطراف الإسهام باختياراتها ومرشحيها ضمن أعضاءاللجنة:دستوريين, قانونيين,جامعيين, نقابيين, مفكرين,أدباء,فنانين,رياضيين..وغيرهم لاستيفاء التمثيل المتوازن...وطبعا سيكون ضمن هذه الباقة مسلمون وأقباط,رجال وسيدات,كبار وشباب,مدنيون ودينيون...المهم أن نبدأ ولا نخشي فيمكن تصحيح المسار وضبط الأداء إلي أن نصل إلي النهاية التوافقية بدلا من استنزاف أنفسنا في الرفض والاحتجاج والشجب والتخوين بغير أن نتحرك خطوة إلي الأمام.
الطريق أمامنا طويل وشاق ويلزم أن نفتش خلاله عن مساحات الاتفاق بنفس القدر الذي نتيقظ فيه لرصد الاختلاف,علينا أن نتجاوز عملية اختيار الجمعية التأسيسية ونمضي نحو عملية صياغة المبادئ الدستورية ثم مواد الدستور لأن هذه العملية لن تكون يسيرة وسوف تتطلب منا كل الإخلاص والوطنية والحرص علي صالح ومصالح بعضنا البعض....وبعد ذلك كله يتبقي حسم المسار برمته بطرح مشروع الدستور علي الاستفتاء الشعبي للموافقة عليه من عدمه.فإذا تمت الموافقة عليه تم إقراره ليحكم حياتنا التشريعية لسنين طويلة قادمة,أما إذا تم رفضه عاد المشروع أدراجه لتعديله سواء بذات الجمعية التأسيسية أو بإعادة النظر في تشكيلها...إنه مسار طويل متشابك احتمالاته معقدة,فكيف يمكن إنجازه إذا استنزفنا أنفسنا عراكا قبل أن نبدأه؟!!