تابعت بألم شديد خطف حياة مواطنتي المصرية مروة الشربيني علي يد قاتل ألماني من أصل روسي, تألمت لضياع حياة إنسان ولأسرة اهتزت ولطفل ارتعب ولمجتمع يتساءل في صدمة: هل يمكن اختطاف حياة إنسان بهذه البساطة والوحشية؟ وهنا تساءلت عن هذه الدوافع اللاإنسانية التي تكمن خلف قتل كل إنسان بشكل عام, وإنسان بريء بشكل خاص.
ماذا يحدث في مجتمعنا العالمي الذي شهد تطورا علميا هائلا وتقدما في شتي مجالات الحياة ولاسيما تلك المجالات المرتبطة بحقوق الإنسان وحرية التعبير والمعتقد والمساواة واحترام كرامة الإنسان, فالكل أبناء لله الواحد الخالق, الذي يصفه الكتاب المقدس بأنه محب للجميع فإنه يشرق شمسه علي الأشرار والصالحين ويمطر علي الأبرار والظالمين
في هذا السياق تذكرت مجموعات بشرية متنوعة دمرها الموت دون أن تعرف جريمتها أو تأخذ فرصة لشرح براءتها. فذلك الشاب الذي ذهب إلي مكتبه في نيويورك صباحا في الحادي عشر من سبتمبر, أو تلك الفتاة التي استقلت حافلة الركاب في لندن, أو مروة الشربيني التي لجأت للقضاء لتحمي اعتقادها, كل هؤلاء خطفت حياتهم دون مبرر لقاتليهم. وهنا نتساءل: هل يقود الاختلاف الفكري أو العقائدي إلي تدمير الآخر ؟ فالإنسان ربما يقبل القتال من أجل حريته أو كرامته أو حقوقه, لكن الموت من أجل اختلاف في فكر, أو زي, أو رؤية, هو تدمير للحياة الإنسانية. من هذا المنطلق أود الإشارة إلي الآتي:
1 ـ الجمود العقائدي:
لا ينكر أحد أهمية العقيدة في حياة الإنسان فالعقيدة الثقافية أو السياسية أو الدينية هي طريق وهج للتعبير عن رؤية الإنسان وإيمانه, بل إن العقيدة تسهم في بناء تصورات حول الحاضر والمستقبل وتؤسس أرضية التعامل مع الآخر, بهذا المعني تكون العقيدة عاملا إيجابيا في حياة الإنسان والجماعة. لكن حينما تختزل إلي نموذج انتقائي نحو الآخر, يفرز المختلف ويدعو إلي تهميشه, وفي بعض الحالات إلي تدميره, هنا تكون العقيدة أداة تفتيت وتدمير للفرد والمجتمع
الأمر الثاني في هذا المجال هو أن التفكير العقائدي بطبعه يميل الي التجميد ويكرس الماضي ويتحول تدريجيا إلي المقدس. وهنا تأخذ العقيدة مكانة الله. وفي معظم المرات يتوحد الإنسان مع العقيدة وتكون النتيجة أنه يتوحد مع المقدس,وهذا يؤدي إلي أن يحل الإنسان مكان المقدس, ويعطي لنفسه صلاحيات لا حدود لها تصل إلي حد أخذ حياة الآخر المختلف معه. هذا الجمود العقائدي هو الذي ينتج ويعيد إنتاج عملية تدمير الآخر.
2 ـ وهم العقيدة
ربما يشعر البعض بانزعاج لربط العقيدة بالوهم, وهم محقون في ذلك. فعندما تكون العقيدة أداة احتواء للجميع, مدركة أن الإنسان هو الإنسان دون النظر إلي أصوله أو لونه أو دينه أو انتمائه, هذه النوعية من العقيدة أداة تماسك للمجتمع ولديها درجة من السماحة تفسح مكانا للآخر وتسهم في عملية الاندماج والتكافل. لكن العقيدة تصبح وهما حينما تسعي إلي الإيمان بنقاء عرقي أو امتلاك الحقيقة المطلقة أو ممارسة السلطة علي البقية.
في هذا السياق تتحول العقيدة إلي وهم يتطور إلي خيال مريض, وفي مرات كثيرة يترجم إلي نزعة تدميرية بربرية ووحشية.
إن قاتل مروة الشربيني شخص له وهم عقائدي نحو التفوق العرقي لجماعة ما عن بقية البشرية. قاتل أي شخص بسبب هويته الدينية هو شخص له وهم عقائدي بأنه هو بذاته الحق المطلق. وفي كلتا الحالتين تهدر دماء بريئة باسم العرق أو باسم الدين, وكلاهما من إبداعات الخالق الذي أرسي التنوع والتعددية.
دكتور قس أندريه زكي اسطفانوس
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر
*نقلاً عن الأهرام |