نهاد أبو القمصان
كنت أنوى فى هذه المقالة الكتابة عن تكريم ضابطات الشرطة، وكم شعرت بالفخر وأنا أراهن يمشين بالخطوة العسكرية رافعات الرأس فوق النجوم والنسور على أكتافهن، فى رسالة لكل بنت مصرية بأن بلدها يحميها ويحمى أحلامها دون تمييز. لكن كأن الفرح عزيز يأتى خاطفاً ويظل الهم ثقيلاً يوجع القلب، فقد طالعتنا الأخبار بقتل طفلة فى قرية الحواتكة مركز منفلوط فى جريمة ختان طلبها أب مجرم ونفذها طبيب أكثر إجراماً، كلاهما لا يعبأ بالدولة المصرية، قوانينها ومؤسساتها، فلكم دولتكم ولنا دولتنا.

لماذا تُقتل البنات رغم تشديد عقوبة الختان لتصل إلى الجناية؟ لأن القانون حبر على ورق، ولأن تنفيذ القانون لا يتوقف عند بلاغ للشرطة، وإنما يتوقف على شركاء عديدين لا يقوم أى منهم بدوره. فما موقف نقابة الأطباء من عملية الختان، لم تعلن بيان موقف، وعندما تطلب منها النيابة الرأى، هل تدين الطبيب أم أن حسابات الانتخابات أكبر، هل تصدّت للأطباء المجرمين كما تملأ الدنيا ليل نهار حول قضايا السياسة؟!

ما موقف وزارة الصحة: هل توجد سياسة منهجية واضحة فى المستشفيات للتوعية والمواجهة لهذه الجريمة المميتة، هل صدر قرار من الوزيرة بإحالة أى حالة يتم اكتشافها للتحقيق حتى بعد مرور فترة، فالختان جناية لا تسقط بالتقادم، وإنما يمكن الإبلاغ عنها بتاريخ العلم بها.

ما موقف وزارة التعليم العالى: هل تم تعميم منهج فى كليات الطب والتمريض يعلم ويحذر الأطباء والممرضين من هذه الجريمة وأن التكسب من قطع أجزاء من جسم طفلة هو من أحط الجرائم؟!

ما موقف وزارة التعليم، هل علمنا البنات والأولاد فى حصة العلوم أو حتى العربى أن لجسدهم حرمة ولا يجوز المساس به، وأن أى إنسان يمس جسدهم بطريقة مؤذية لا بد من الإبلاغ عنه حتى لو كان «ماما أو بابا»؟!

لا، لم نعلّم ولم نربِّ ولم نحذر، لأن الجميع خائف، خائف من الدخول مع بعبع الإسلاموجية، لأن الجميع موظفون يؤدون عملهم بأعلى درجة من الهدوء، سائرون جنب حائط الستر، لا مناهج تعدل ولا علم يدرس ولا نقابة تعمل، وفى النهاية تُقتل البنات بلا ثمن، وتصدر أحكام هزيلة مع وقف النفاذ لأن ما يصدر من قوانين يخص دولة ثانية، ولسان حال الجميع «لكم دولتكم ولنا دولتنا ما دام القتيل ليس له أهل بل أهله هم المجرمون».

وللعلم وللإحاطة قتل الطفلة جناية بموجب المادة «242 مكرر» من قانون العقوبات، فقد تم تعديل القانون فى 2016، وبموجب هذا التعديل تحولت من جنحة إلى جناية يحاكم فيها الطبيب وطالب الجريمة، أى والد الطفلة، وأصبحت من الجرائم التى يعاقب على مجرد الشروع فيها إذا وقفت عند هذا الحد ولم تكتمل، ولا يجوز التصالح فيها.

أى أننا أمام جريمة تصل عقوبتها إلى الحبس 15 عاماً، لكنها كخيال المآتة لا تخيف أحداً، ما زال الناس على عادات آبائهم ولا دولة قانون ولا منظومة عدالة ولا حماية لأى طفل. هذه الجريمة تتعدى قتل البنت، هى كاشفة لمكانة المنظومة الأمنية والعدالة فى عيون الناس، فهل سنرى حكماً عاجلاً وعادلاً يعيد للعدالة هيبتها أم سنترك الناس على عادات آبائهم ولتذهب دولة القانون للجحيم.
نقلا عن الوطن