خالد منتصر
ندى طفلة، ١٤ سنة، بنت قرية الحواتكة، منفلوط، أسيوط، كل جريمتها أنها قد وُلدت أنثى فى مجتمع له تعريف خاص للعفة والأخلاق، يربط الأخلاق بنتوء لحمى يحتاج إلى ميكروسكوب لرؤيته، تتناسب الأخلاق عكسياً مع طول هذا النتوء. ماتت الطفلة فى عيادة مجرم يحمل صفة طبيب، ومن أجل بضعة جنيهات يبيع ضميره ويُجرى جراحة غير موجودة أصلاً فى المراجع الطبية، جراحة اسمها التشويه التناسلى للإناث. تطبيب الختان صار أكبر جريمة، لم يعد الختان يُجرى بيد الداية، بل صار «جريمة شيك» تستخدم البالطو الأبيض وقفازات الطبيب، إنه ختان عقلى قبل أن يكون ختاناً تناسلياً، فالمجتمع المختون عقلياً هو الذى يبيح ويحرض على هذه الجريمة البربرية، لماذا الدهشة؟ عندما يكون فى البرلمان عضو يشغل وظيفة أستاذ بكلية الطب فى إحدى الجامعات الإقليمية ويقول مفتخراً، وبأعلى صوته: «الختان عفة وأنا ختنت بناتى»، عندما يشارك أستاذ فى قسم النساء والولادة بجامعة مرموقة فى العاصمة فى رفع قضية على وزير الصحة لفرض الختان على البنات، ويشاركه فى تلك الدعوى داعية سلفى متطرف... إلخ، إذن هناك خلل فى البنية العقلية حتى لمن نسميهم النخب، فهؤلاء الأشخاص الذين طببوا الختان لا يعترفون بما درسوه فى مناهج كلياتهم، هم يستخدمون منتجات العلم بعيداً عن منهجه الفكرى.
لم تكن ندى أولى الضحايا ولا آخرهن، إنها فرد فى طابور النزيف والموت باسم الحفاظ على العفة، من خلال جزارة يسمونها خداعاً الطهارة، وليس لها أى أساس علمى، ولا أساس إنسانى ولا اجتماعى ولا دينى أيضاً، وبالرغم من ذلك ما زلنا مصرين على اقتياد بناتنا لتلك المذبحة. ولأننا مجتمع يهوى الشكليات والطقوس فالشرف عندنا نحصره فى «حتة لحمة»، ولكى نلقى عن كاهلنا جهد وتعب التربية من خلال بث الثقة فى النفس وزرع قيم الحرية والضمير والخير والجمال فى البنت، نقرر وبسرعة اختزالها فى مركز الشر البظرى الذى لا بد من إزالته حتى يغمر الشرف وادى المحروسة الخصيب.
ورغم شدة العقوبة ما زلنا نختن البنات، وبكل وحشية. ندى التى ماتت واكتُشف أمر ختانها، أمامها آلاف البنات اللاتى يُجرى لهن الختان فى السر ولم نكتشفهن بعد أو لم يصلنا خبرهن إعلامياً. أرجو من الأطباء تعليق العقوبة المقررة فى القانون على من يجرى عملية الختان، وسأذكرها هنا لعل يكون فيها الردع والتذكرة، ففضلاً عن أن هذا الطبيب خان شرف المهنة فقد تعدى أيضاً على قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، المعدل بالقانون 126 لسنة 2008، والمادة «242 مكرر» من قانون العقوبات الصادرة بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المستبدلة بالقانون رقم 78 لسنة 2016، والتى قررت عقوبة السجن من خمس إلى سبع سنوات لكل من قام بختان لأنثى، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو أفضى ذلك الفعل إلى الموت، والمادة «242 مكرر أ»، المضافة بذات القانون «التى قررت الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات لكل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه، وكذلك المادة (10) من القانون رقم 415 لسنة 1954 فى شأن مزاولة مهنة الطب، وقرار وزير الصحة رقم 271 لسنة 2007، الصادر بتاريخ 28 /6 /2007 ويحظر إجراء الأطباء وأعضاء هيئات التمريض وغيرهم أى قطع أو تسوية أو تعديل لأى جزء طبيعى من الجهاز التناسلى للأنثى (الختان)، سواء تم ذلك فى المستشفيات الحكومية أو غيرها من الأماكن الأخرى.
نقلا عن الوطن