حمدي رزق
مزعج نجيب ساويرس عندما يغرد «عبد الناصر بطل النكسة»، لا يا سيدى، عبدالناصر بطل تكالبت عليه الأمم، عبدالناصر عاش بطلًا، ومات زعيمًا، وسيظل فى قلوبنا قبل عقولنا بطلًا وزعيمًا، نحن أبناء الفلاحين من نعرف من هو أبوخالد، ونلقبه بخالد الذكر.
رأيك يخصك نعم، ولكنه جارح، ويزدريه كثير من أولاد الطيبين الكادحين الشقيانين العرقانين، الذين منحتهم ثورة يوليو أملًا فى الحياة، وفتحت الطريق سالكًا ليتحصلوا على حقوقهم المهدرة فى «بلاط الملك»، من قال لهم خالد الذكر جمال عبدالناصر، «ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستعباد».. فرفعوا الرؤوس عاليًا ليبصروا حقهم فى الحياة.
عاتب عليك وحزين ومثلى كثير، من تلقى تعليمه بالمجان، وجلس جنبًا إلى جنب مع أولاد الأكابر، كان فى أفواههم ملعقة ذهب، وفى فمى طعم الحياة حلو المذاق، عيش بالأمل، متى كان التعليم لأولاد الفلاحين حقًا، متى كان التوظيف لأولاد العمال أملًا، متى كان لنا نصيب من الحياة، متى كان أجدادنا (نحن) محسوبين كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات؟.
ومثلى كثير، منهم من تحصل والده على «خمسة أفدنة» بعقد تمليك أخضر، أول مرة فلاح مصرى يملك طينًا، قبلها كان شايل الطين، وطين البرك على كعابه المشققة من لفحة أرض الهجير، ويخدم فى الوسية، وزوجته تخدم فى بيوت «أصحاب الطين» خدمة العبد للسيد، كان يزرع وغيره يحصد حبات العرق من على جبينه، أخيرًا أكل والدى مما زرعت يداه، وكفاه «ابن البوسطجى» سؤال اللئيم.
ومثلى كثير، منهم من تحصل والده العليل على معاش، جنيهات تقِمن صلبه، وربى أولاده من حلال، وعاش على سيرة الثورة مخلصًا، إنها ثورة شعب ولا تزال، ويقص علينا الجد الطيب ما تيسر من مرور طيف ناصر على الزراعية، كانت الناس تتوق للرؤية، وترفع أكفها سلامًا وتحية، وناصر كالمارد يطل على الكل، تنط من عينيه الفرحة، وهو بين أهله وناسه، بنى وطنه بين الأحباب، يشتمم رائحة العرق المنسابة على سلسلة الظهور المنحنية فى الحقول الخضراء.
ومن غيرى بفخر يترحم على ناصر العزة والكرامة، وكنت نسيًا منسيًا فى عزبة قصية فى مدينة مختفية من على خارطة القطر الكبير، فشب عن الطوق فإذا بناصر يخبره من القبر، يا بنى إن التعليم حق لكم كالماء والهواء، وإن المصريين جميعا أمام القانون سواء، وما نيل المطالب بالتمنى، ولكن تأخذ الدنيا غلابًا.
مَنحنى «ابن البوسطجى»، مَنح «ابن الفلاح» جواز مرور إلى العاصمة الكبيرة، وكانت العاصمة ووظائفها حكرًا على أبناء الأعيان، صار «ابن البوسطجى» فينا رمزًا كريمًا، نتقفى أثره فى المشوار الصعيب، وصار اسمًا منقوشًا على القلوب فى الصدور، وصار بيت شعر مغنى، ويا جمال يا مثال الوطنية.
نقلا عن المصرى اليوم