(251- 356 م تقريبا )
بقلم /ماجد كامل
يعتبر القديس الانبا انطونيوس هو مؤسس الرهبنة الأول في العالم ؛ وهو قديس مصري صميم أتي من صعيد مصر وتحديدا من بلدة قمن العروس ببني سويف . أما عن قصة حياته فهي باختصار شديد أنه ولد الطفل انطونيوس (انطونيوس كلمة لاتينية معناها عوض ) عام 251م من أسرة مسيحية تقية ؛وتعود منذ طفولته التردد علي الكنيسة للصلاة ؛ توفي والده وهو في سن الثامنة عشر ؛ فتأمل في الموقف وقال لنفسه "إن كان والدي قد خرج من العالم بغير إرادته ؛فأنا أريد أن أخرج من هذا العالم بإرادتي " وجاءت اللحظة الحاسمة عندما دخل الكنيسة ذات مرة ليصلي ؛فسمع هذه الآية التي وردت في انجيل متي والتي تقول "إذا أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع كل أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنزا في السماء وتعال اتعبني " ( مت 19 : 21 ) فلم يتردد في اتخاذ القرار وقام ببيع ثلاثمائة فدان من أجود الأراضي كان قد ورثها عن أبيه ؛ وخرج للتعبد أولا في المنطقة التي يوجد بها دير الميمون حاليا قرب بني سويف ؛ولما شعر بقربه من أهل القرية ؛أتخذ قراره أإن يتوغل في الصحراء أكثر وأكثر ؛فشد رحاله حتي وصل الي المنطقة التي يوجد بها حاليا دير الانبا انطونيوس بالبحر الأحمر ؛وهناك أستقر متعبدا للرب في صلوات وأصوام طويلة ؛وعندما سمع بخبره مجموعة من الشباب أشتاقوا أن يحذوا حذوه فتتلمذوا علي يديه في منطقة البحر الأحمر ؛كما أسس جماعات رهبانية أخري في وادي النطرون ؛ وفي منطقة القلالي (نواحي البحيرة حاليا ) وفي الفيوم ؛وفي مناطق أخري كثيرة ؛وأستمر في صلواته وأصوامه حتي توفي في عام 356م ؛وكان عمره وقت وفاته حوالي 105 عام تقريبا .
ولقد ترك لنا الانبا انطونيوس حوالي عشرين رسالة عدا العديد من الحكم والأقوال المتناثرة تعتبر كلها نبع من الحكمة الصافية ؛فمثلا في أحدي رسائله إلي تلاميذه الرهبان يوصيهم فيها بمحبة الله باستمرار فقال لهم" آمنوا بالرب وأحبوه ؛وأعلموا يا أولادي الأحباء أن كل الوصايا ليست ثقيلة ولا متعبة بل نور حقيقي وسرور أبدي . إن الإنسان إذا كان يحب الله بكل القلب ؛وبكل الفكر ؛وبكل النية ؛وبكل القوة ؛فإنه يقتني خوف الله .والخوف يولد البكاء ؛والبكاء يولد القوة ؛وبكمال هذه في النفس تثمر في كل الأشياء .
فالآن يا أحبائي ...... أقتنوا لكم هذه القوة لكي تخاف منكم الشياطين ؛وتخف عنكم الأتعاب التي تمارسونها ؛ وتحلو لكم الإلهيات ؛لأن حلاوة حب الله أحلي من الشهد " . وفي رسالة أخري وجهها للرهبان طالبهم فيها بمحبة بعضهم بعضا ؛وقال لهم فيها " يا أولادي الأحباء ؛لا تكلوا ولا تملوا من المحبة بعضكم لبعض ؛ بل أجعلوا هذا الجسد الذي انتم لابسوه مجمرة ترفعون فيها جميع أفكاركم ومشوراتكم الرديئة وتضعونها أمام الرب ليرفع قلوبكم إليه . فانا أطلب إليكم ان تجتهدوا وتداوموا علي أعمالكم الحسنة ؛ ليسر بكم كافة القديسين وروحي أنا المسكين ؛لأننا جميعا مخلوقون من مبدأ واحد وجوهر واحد عقلي غير مرئي ". ولقد دعا الانبا انطونيوس تلاميذه الرهبان إلي التحلي بفضيلة التمييز ؛ويقصد بها فحص واختبار كل فكر يعرض عليهم حتي يعرفوا هل هو من الله ؟ أم من الشيطان ؟ او من شهواتهم وغرائزهم ؟ فيقول لهم " أطلب عنكم يا أولادي بكل قوة وحرارة لكيما يعطيكم الله أن تنظروا وتفرزوا جميع الأشياء حتي تميزا بين الخير والشر . أطلبوا من الله ليلا ونهارا ؛ أن يعطيكم هذا النظر والإفراز لكي يكون لكم الخير الدائم من عند اللله ؛ويزداد بهائكم في كل شيء حتي يعطيكم الله أشياء أخري كثيرة ما عرفتموها قط " .
وفي آخر رسالة كتبها للرهبان قبل وفاته بفترة قصيرة ؛يدعوهم فيها إلي احترام الكل الصغير قبل الكبير ؛وعدم الاستهانة بأي مخلوق مهما كان صغيرا أو ضعيفا ؛فقال "يا أحبائي ؛احترسوا من أن تستهينوا بأحد من الناس ؛لأن أصل هذه الاستهانة هو الكبرياء التي أوجبت علي العالم غضب الله ؛فيجب علينا أن نبكي علي ذواتنا بحرقة قلب ؛لأني رأيت رهبانا كثيرين وعذاري قد سقطوا في هذا الظن ؛إذ قالوا عن أنفسهم :إننا شيء عظيم ولا يوجد أحد يشبهنا ؛وحقا أقول لكم يا أحبائي إنه ليس فيهم سوي الكبرياء والاستهانة بالناس ؛والبغضة والغيرة الرديئة والخصام ؛فيجب علينا نحن أن نبكي علي هؤلاء الثابتين في هذه الشرور المذكورة ؛فتعاليم الله هي :الطهارة ؛ السلام الدائم المملوء من الرحمة ؛وبقية الأثمار الحسنة الحقيقية ؛فأحرصوا أنتم با أحبائي علي اقتناء هذا التعاليم التي للروح ؛فأنه بهذه الأعمال يكون شفاء النفس من الأوجاع " وفي نفس الرسالة يوجه اليهم الدعوة للمحبة والتسامح بعضهم نحو بعض فيقول "ليغفر كل واحد لرفيقه كي ما يغفر لكم الرب ؛ وكل من تعرض للظلم منكم ؛فليقبل ذلك بفرح ويسلم الأمر إلي الرب ؛ لأنه هو الحاكم العادل المجازي ؛انزعوامن قلوبكم كل الأفكار الرديئة التي تفكرون بها بعضكم علي بعض لكي تنحل العداوة التي أصلها البغضة والحسد ؛لأن هذين الوجعين رديئان جدا ومرذولان عند الله والناس ؛ولا يجب أن يوجدا عند أحد من المؤمنين . فيا أحبائي إن كانت هذه الأشياء قد وجدت بينكم فيما مضي ؛فمن الآن أحترسوا أن لا توجد عندكم ولا تدعوها تتسلط عليك .