تأليف - روماني صبري
أصدقائي لا تجعلوا المصائب تقلب حياتكم رأسا على عقب .. بالحق يخول لي نصحكم، رغم أن وجهي شاحبا وعقلي اضطرب فبات يخترع الخيالات .. سأختص الرجال بنصيحة بقولي "قبلوا نساءكم وعيشوا بكيفية ترضيهن" .. تتكبدون وتقاسون الكثير من المشقة من اجل كسب قوت يومكم أيها الأبطال ! .. أتدرون أن ما يبث السعادة بالقلب أن كثير منكم لأزلوا يؤمنون بالتضحية، لان الحياة لازالت بداخلكم وما يرسخ ذلك هذا الفتى الشجاع الذي فقد حياته لينقذني من "التحرش" أمس ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة .. ولكن السؤال الذي طرح داخلي الآن لماذا لا تهجرنا الحوادث والأفعال الوضيعة ؟!.
بهذه الرسالة اختتمت "عبير" حديثها مع الإعلامي "نجيب طارق" داخل غرفتها بمستشفى السلام الخاص المجهز بأحدث الأجهزة الطبيبة، كونها تنتمي لأسرة واسعة الثراء، لتروي له تفاصيل واقعة التحرش التي تعرضت لها من قبل شاب دميم الروح، ورغم أنها لا تؤمن بالخرافات أكدت وهي تنظر لكاميرا البرنامج أن الفتى منقذها لن ينجو من الحادث وسيعرفه الموت اليوم.. أتدرون أنها في صراع جراء الحلم الذي روادها الليلة، جاشت نفسها بمرارة الفقد كأن الذي سيرحل خطيبها !، أخرجت لسانها هي المؤمنة بقوتها وقضمت أصابعها، وتذكرت يوم الحادثة فلامت نفسها كثيرا بقولها :" كيف بال بخاطري أن أتجول وأجوب شوارع المدينة في ؟! حتى أقاسي نظرات العطف والشفقة .. هؤلاء البغضاء كيف يسمحون لأنفسهم بالتعاطف معي .. أنها مذلة شديدة و لماذا يتعاطفون معي السنا جميعا داخل دائرة التجارب ؟! .. طالني شعور الخزي الآن كم بت نذلة في نظر نفسي، كانت حياتي تسير بوتيرة محتشمة كونها اكتظت بالعلاقات المرضية.
بعد انقضاء ساعات، بث التلفاز المستقر على حائط غرفتها بالمستشفى خبرا عاجلا قرأه مذيع الأخبار، مفاده أن الشاب "أحمد سليم" منقذها فارق الحياة، صمتت برهة على اثر ذلك ثم تشنجت قائلة مختصة والدها السيد نبيل الذي راح يذرف الدمع :" الم اقل لكم انه سيموت لقد جاءني باكيا في الحلم واخبرني بذلك .. نعم قال لي انه لن ينجو ! .. اخبرني ذلك في الحلم.. حمد لله أن والدتي ماتت لو ظلت على قيد الحياة ورأت ما تكتبه بعض الصحف عني لماتت غيظا... الحقير اليافع سدد الكثير من الطعنات النافذة ببطن أحمد، اخبرني في الحلم انه سيودع الحياة .. إن انقاد الأبرياء من قبل غرباء لجحيم يا أبي سأتكبد مشقته مهما حييت.. تخيل ماذا كان سيحدث الآن لو كنت انتمي لحركة مسلحة ؟! .. آه يا أبي وقتها كنت سأسلخ جلده .. لا لا كنت سأقطع رأسه وعضوه الذكري .. وعدتني انك لن تحنث بوعدك وتسمح للأقارب بزيارتي، لا تخالف ذلك يا أبي لا أريد أن أبصر سواك.. اقترب منها والدها أكثر وشد على يدها بحرارة فأراحت رأسها على صدره وسرعان ما غلبها النوم، فقال في نفسه : لو كنت من الآباء المحترمين لما تركت هذا الوغد يقع في قبضة رجال الشرطة .. أنا أستاذ الجامعة الذي طالما ناديت بالأدب داخل المجتمع... في حقبة الثمانينيات رأى نبيل الشاب انه من الإثم أنجاب الأطفال لكن رغم ذلك دائما ما استولت عليه هذه الفكرة ودون أن يهذي كان يطمئن نفسه كثيرا دون أن ينفك عن روحه السلام مستشهدا بعباقرة الأدب والفلاسفة هؤلاء الذين حذروا من الإنجاب كون العالم يسير بوتيرة واضحة صوب الحروب وتبرير احتلال الدول الصغيرة بزعم تحسين اقتصادها وكذا تبرير جرائم القتل، ورغم ذلك فشلوا في التصدي لطبيعتهم البشرية فأفرطوا في الإنجاب ... يبدو أن السيد العجوز على مشارف المرض النفسي كحال ابنته التي تعاني الانهيار ، طفح على وجه الآن الهزال والهذيان وتسارعت دقات قلبه، اخذ يدمدم قائلا : انه الضعف الإنساني الحقير أحسب إني أعاني منه منذ طفولتي، ما الذي ستفعله لي الكتب الآن هل ستنقذني وتنقذ ابنتي ؟! ها بت أهذي وأخرف وجب علي الصمت كثيرا الآن.
يبدو أن مثل هذه الحوادث تؤلمكم وتزعجكم، كونها تنهك أرواحكم لذلك لا داعي لذكر كل تفاصيل الحادث .. على أي حال هي واقعة تحرش تتشابه مع المئات التي تحدث يوميا، في هذا مساء هذا اليوم الملعون عرض برنامج " أنا من البلد دي بلد أبويا وجد جدي" نتائج استطلاع رأي حول الواقعة لا داعي لذكرها أيضا حتى لا ترسخ للملايين أن الشاب القاتل بريء، وعبر مداخلة هاتفية للبرنامج قال الشيخ الأزهري الجليل "طارق رشدي" :" ذكر أن الفتاة تعمل بالعلاقات العامة بإحدى الشركات المرموقة ويبدو أن صاحب الشركة من العلمانيين حيث تجولت في صفحتها على موقع "فيسبوك" وشاهدت لها الكثير من الصور داخل الشركة ارتدت فيها البنطال الجينز القصير المهترىء من عند الركبة .. وحتى لا اخرج عن جوهر الموضوع الذي طرح الآن وهو التحرش، لن أتحدث عن أن الاحتفال بالكريسماس لا يعد من الدين، فقاطعه مقدم البرنامج "عمرو سمير" مازحا :" يبدو انك فعلت فضيلة الشيخ " فرد ضاحكا :" نعم يبدو كذلك .. أنها الغيرة على الدين ياعمر" .. ولكن حتى لا نتجنى على الجاني كثيرا دعني أقول ربما انه احتسبها من السبية فشرع في التحرش بها كونها أنثى ولها احتياجات."
توالت ردود تخالف الأدب العام وأخلاق القرية ! .. نعم أخلاق القرية إلى جانب الكثير من الوهم انه غزي وعار ووقع سيء على المسامع، أتعلمون انه من الإيمان أن يحترم الإنسان نفسه، ولتعلمون أيضا انه لطالما كشفت هذه الحوادث كل شيء ، ذلك أن النيابة العامة كتبت في لائحة الاتهام أن الشاب يظفر بأسرة متوسطة وكان يخطط لتنفيذ جرائم تحرش أخرى ضد الفتيات أمام مدارسهن الثانوية والإعدادية، تلبية لرغباته الجنسية، وبينت التحقيقات انه سبق له طعن فتاة بسلاح ابيض حين رفضت التجاوب معه، علاوة على الصفحات الوهمية المنسوبة له عبر موقع "فيسبوك" وفيها حاول استدراج الفتيات والسيدات بزعم انه فتاة سحاقية.
أن الجنس البشري ملعون، رغم اتجاهات دوافعه والاستدلالات التي يستند إليها لتقيم الأحداث، فمثلا كتبت فتاة عبر حسابها الاليكتروني قاضمة أبهامها نشوة وغبطة تقول :" أيها السادة كوني فتاة محتشمة والفت حياة الطهر والنقاء سأعلنها هنا صراحة أن تحرش هذا الشاب بالفتاة طفح بقلبي سعادة كونها متبرجة، هكذا تعلمنا وبهذا نجيب، الشاب لم يكن يعاني مرضا جسديا هو فقط استجاب لرغبته الجنسية كونه ذكر، وليس مرد ذلك خديعة وتبرير لجريمة القتل التي نفذها في الشاب ضحية شجاعته، لو كنت هناك لنصحته بعدم التدخل والوقوف بجوار الحشود المتراصة من الشباب لتصوير الواقعة ... ههههههه يبدو أن الفتاة أغرقتها ........."
تقول عبير الآن بعد أن حكم على القاتل بالسجن ١٥ عاما كونه حدث، الهي لا يبارحني الشعور بالتخاذل، ثمة فيض متدفق من الأوجاع، تزامن مع صرخات تدوي داخلي من المستحيل أن يمحوها الزمن، رجال القانون يتشدقون بالقانون ؟! ومن قال إنني أريد للقاتل الموت يجب دحض هذه الأفكار الكاذبة المنسوبة إلي، ها أنا بت مجرمة كوني طلبت السلطات ببتر عضوه حتى نخلصه من شره، آه باتت روحي بوتقة للعنف ههههه بت من مثيري الشغب ... رباه أواجه تحولات خطيرة، حيث خلصت إلى أن تعذيب أمثاله بفقد عضوهم الذي يفكرون به سيكون من السياسات والقوانين المرضية والتي علينا انتهاجها لدحر خطر هؤلاء عن المجتمع وكذا تجنب السمعة السيئة لبلادنا، حتى لا ننعي الرجولة وأواصر القرب والدم.
تبقى الحياة عظيمة في نظر الإنسان، لست أغالي بقولي هذا، فالمجرم يتكبد عناء بقاءه في السجن بعد أن رفض فكرة الانتحار، وبات يؤمن انه يجب أن تحل اللعنات على كل الأفكار الشريرة، أتكلم مستندا إلى الغباء الإنساني، أتدرون أن "موتسارت" كان يخشى الموت، الذي غيبه عن الحياة في عمر ٣٣ عاما!، حسبت من موسيقاه انه يعتقد أن ثمة قوة تتفوق على الشيطان تسعى جاهدة دوما حتى تعقد للإنسان حياته لاسيما هؤلاء الحقراء المتحرشين، ليس في التخيل إثم على أي حال، انه استدلال منطقي لا تنكرون ذلك، ربما بات الشيطان تافها اليوم، كل الجحيم يكمن هنا بالمجتمع والتبريرات، هل بوسعنا القضاء على الفقر وضمان غفران الله والتوقف عن خداع النفس، ولان في الخيال الكثير من المتعة راحت عبير تعذب الفتى في أحلامها وفي كل مرة تقطع عضوه الذكري ثم تنهي حياته وهو راكضا ذليلا متوسلا بتفجير رأسه بطلق ناري، لكن كل هذه الأحلام توارت .. من ذا الذي يستطيع مقاومتها لقد تزوجت الجميلة ، نعم صدقوني أنها ليست مزحة سيئة، لقد ظفرت برجل حقيقي هكذا كتبت في مذكراتها وأنجبت منه أدم رضيع في شهوره الأولى، لذلك لا تجعلوا الشعور بالخزي يودعكم .
رغم ما تحمل من حب لزوجها راحت تنبش في وحل الماضي بلذة، ما الذي تحاول أن تثيره، ربما الشعور بالاشمئزاز اللعين، سيان .. أن بيت القصيد هنا لا شيء، في هذه الليلة الملعونة قامت بعمل شريف بث الطمأنينة بروحها، لان فيض من الغضب لازال يتدفق ولأنها لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تصارع محبة روح الانتقام التي طفحت داخلها، ما احلي هذه الأحلام عندما تعود تفجر رأسه وتقطع له اعز ما ظن انه يملكه، فتشرب في نخب انتصارها، الساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل، ها هي تتدحرج في السعادة وتحارب الأنين فتغرس أظافرها في لحمه ..قادت هذا الإنسان الحشرة إلى مكان قذر يبعث البشاعة والمرض إلى النفس، ركلت مؤخرته وهو منكس الرأس والرجولة يبكي بكاء مرا، اختصته بعبارات بذيئة هي الغارقة في أحلام، دون أن يعرفها خجل الأنثى، وعاقبته من جديد على فجوره وفسقه، باعتباره شخص تافها لا قيمة له، انقبض قلبها دون أن تستحي من شيء، وبعد برهة خيالية سألته :" من يستطيع أن يدرك أفكارك ؟ .. أين تعلمت ؟، فرد بقوله :" كفى أنا حانق للغاية ولست خجل منك انظري .. وجهك احمر خجلا يؤسفني ذلك، لكن أود أن أقول لك أن أخلاق القرية ، فقاطعت هذا الطاعون وهي تصر بأسنانها لتفجر رأسه برصاصه فودع الحياة ثانية.
مهما يكن لا يقاضي القانون سافكين الدماء بعنف وكبرياء في أحلامهم، نعم يكفي هذا ، لقد صحوت روحها هي النضرة وألمها حنقها كجميع البسطاء والأثرياء دون أن يكن للشيطان يدا في ذلك، أنها ذكريات حديثة نهلت من واقع يثرثر يتمخطر أصحابه في مشيتهم لإيمانهم الشديد أن الرب بارك بلادهم فصامت العبودية عن مجتمعاتهم للأبد فيدوسون بأحذيتهم ساحقين كرامتهم لظفر أثمن الأشياء من اجل إنسان يعاني قحطا وفقرا ومرضا مثلهم فضلا عن ابتلاعهم الخبر الأبيض وجرعهم الكثير من المياه في الصيف فلماذا إذا يغالون في توضيح الأمر ؟! ، ولأنه من أغلظ الإيمان إلا نسخر من الآخرين دعونا ننسى ذلك وننفجر ضاحكين دون أن تعلق بنا الاهانات أو تسرق أرواحنا، لان الإنسان منذ ولادته بات صديقا للفقد.
انفضت الكثير من السنوات، فعرفت الشيخوخة جيل بطلتنا، وعندما يصل الإنسان للشيخوخة يظن انه ارتكب جرما شنيعا وضيعا لا مغرفة له، هل تتصورون أن الزهايمر ساعدها في نسيان كل الذكريات، لكنها لازالت تفرط في البكاء، لازالت طاهرة حمدا الله أنها لا تتذكر الماضي وكل ما تريده ميتة سريعة فأن الزهايمر شيطان إثم يواري عنا الحياة، وفيما يخص مجرم مجتمعنا فأنكب يفكر في الانتحار عندما أعترض طريقه بعض الشباب ووجهوا له الاهانات، حتى نجح في قتل نفسه شنقا في شقة والدته الغارقة بقذارة ووحشة الوحدة، كان يتمتم وقتها لنفسه :" لابد ان اكتوي بنار فعلتي حتى بعد موتي ..أنها ذكريات كريهة ومؤلمة لشخص دنيء وقذر النفس .. فقط الموت سيطهرني وربما يجرع أصدقائي الخمر في نخبي داخل احد الكباريهات حين تحل ذكرى انتحاري الأولى."
"تمت"