حمدي رزق
الحالة الحوارية التى شهدتها جلسات مؤتمر تجديد الفكر الإسلامى بين الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، الأزهر'> شيخ الأزهر، والدكتور محمد عثمان الخشت، جامعة القاهرة'> رئيس جامعة القاهرة، أفضل ما جادت به أعمال هذا المؤتمر المُعْتَبر، الحوار مطلب تشوَّقنا إليه طويلًا، والمناظرات الفكرية سبيلًا للرقى بالحالة التجديدية المنشودة، نموذج ومثال.
مثل هذه المناظرة، التى لم يَسْعَ إليها الطرفان، دليل على حيوية فكرية تُخْرِجنا من حالة التيبُّس العقلى التى أصابت العقل العربى بآفة النقل، الذى تطور سريعًا لما يسمى تكنولوجيا Copy and Paste، فتسيّدت مدرسة النقل وتوارت مدرسة العقل، كان حوارًا عاقلًا.
مثل هذه المناظرات الفكرية ليس فيها غالب أو مغلوب، وتشيُّع البعض لطرح فضيلة الإمام تصفيقًا لا يعنى هزيمة منطق «الخشت» صمتًا من جمهور أزهرى محتشد خلف إمامه «الطيب»، ولكن «الخشت» فاز بإخراج المكنون من صدور الأزهرية عندما مَسَّ بحرف «الأشعرية»، «الخشت» لمس المذهب المؤسِّس للمشيخة السُّنية، فحَقَّ عليه عتاب الإمام.
الدكتور «الخشت» نقر على الجدار المصمت خفيفًا، لم يُعْمِل فيه مطرقة ثقيلة، فلم يُفوِّتْها الإمام، جاهدًا وضع فضيلته النقاط الأزهرية فوق حروف «الخشت» الأكاديمية، فما كان من الأخير إلا أن أعاد توضيح حروفه، فصارت القضية جَلِيّة. خلاصتها، سدنة التراث فى مواجهة ناقدى التراث، مَن يرى أن التراث زاد الأمة فى مواجهة نوائب العصر، وسبب رئيس فى نهضتها، وقدم فى الصين وقدم فى الأندلس، وهناك مَن يرى أن العصر يفرض التطور، والتطور من طبائع الكون، وجرح التراث ليس من الكبائر، إذا كان حديث المصطفى، عليه أفضل وأتَمّ السلام، يجوز عليه الجرح، فما ماهية التراث المعصوم؟
شفاهية «الخشت» كسرت تخشُّب الأبحاث المكتوبة، حرارة الطرح الطازج، غير المتكلَّف، غير المتحسِّس رأسه فوق كتفيه، الشجاع قولًا، استلزمت من الإمام ردًا شفاهيًا مدافعًا عن رؤية الأشعرية التراثية، فصار حوارًا ربما لم يشهد الجيل الحالى مثله فى البلاد، خَبِرْنا مثل هذه المناظرات يوم كان معرض الكتاب زمنًا فائتًا «سوق عكاظ» القرن العشرين، قِبلة المفكرين إلى مناظرات تسر السامعين.
مجددًا ليس هناك غالب ولا مغلوب، ولا «الخشت» كمفكر مستقل محسوب على رؤية سياسية، ولا الإمام محسوب مناهضًا لرؤية سياسية، المحاولة البائسة لتسييس الحوار تترجم فشلًا فى قراءة حوار الأفكار، والحَطّ على «الخشت» لنَيْل بركة الإمام، أو الحَطّ على الإمام لنَيْل رضاء مُتوهَّم، هذا تمامًا خارج السياق.
التشيُّع للإمام أو النفرة تعصبًا لـ«الخشت» حماسًا لا تذهب بنا إلى الأمام مطلقًا، الأوفق إعمال العقل لإنعاش الفكر، والتعاطى إيجابيًا مع طروحات العلماء برَوِيّة، فلنتعلم شيئًا، كيف يتحاور العلماء، ننهل من علمهم، ونتحلى بأدبهم، انظر كيف يُنْزِل الإمام الأكبر الدكتور «الخشت» منزلًا كريمًا، وكيف يرد «الخشت» المَكْرُمة للإمام بأحسن منها بدعوة كريمة إلى جامعة القاهرة العريقة.
نقلا عن المصرى اليوم