حمدي رزق
مصر وطن يتسع لقول «لا»، و«لا» الوطنية تشحذ قول «نعم» الوطنية، تسمو بها فوق الثارات التاريخية والحزازات المرحلية، لا تستقيم «نعم» بدون استصحاب «لا»، و«لا» ليست رجسًا من عمل الشيطان، بل واجب وطنى يستبطنه «المعارض الشريف»، ويعبر عنه بفخر واعتزاز بمصريته، التي مكنته من قول «لا» في وجه من قالوا «نعم».
تقبيح «لا» ورميها بكل نقيصة وطنية لا يستقيم وطنيًا، كما أن تقبيح «نعم» ورميها بكل هذا الحقد والكراهية والازدراء والسخرية ليس من الوطنية في شىء، هذه بضاعة الإخوان والتابعين، فارق كبير أن تقول «لا» ويتسع صدرك وعقلك لقول «نعم»، أو تزفرها «لا» حممًا في وجوه من قالوا «نعم»، فارق كبير أن تقول «نعم» وتحترم من قالوا «لا» وتغبطهم على قول «لا» وما يعتقدون.
درس الماضى القريب، درس 30 يونيو، يؤشر على إمكانية التفاعل السياسى الحميد بين «لا» و«نعم»، في احتشاد وطنى على أرضية وطنية صلبة، لا تجنب المختلف وتقصيه، لكلٍّ مكان في وطنه، ولكن تلفظ المجترئ ظلما وعدوانا على أصحاب الحق وطنيا في قول «لا أو نعم».
الاستباحة التي نشاهد طرفًا منها بمناسبة ذكرى يناير مرفوضة وطنيًا، الاحترام يستوجب ومستوجب ويجب أن يسود، وإذا ساد وفق القواعد المرعية للديمقراطية كسبنا وطنًا رحيبًا، «الاحترام الوطنى» دستور غير مكتوب على الورق، ولكنه مستبطن في القلوب وتعبر عنه العقول اتفاقًا.
يستوجب على من قالوا «نعم» إفساح الطريق دوما وفى المستقبل، لاستصحاب من قالوا «لا»، ويحمونها بكل وطنية، ويتيحونها بكل أريحية سياسية، ويستوجب على من قالوا «لا» احترام أهلية ووطنية من قالوا «نعم» ويفقهون قولتهم، ويستأنسون بأغلبيتهم، دفء الأقلية وحياتها في جبل الأغلبية على احترام قول «لا» بلا مزايدات وطنية تقبح «نعم».
الإساءات المتعمدة التي يكيلها نفر ممسوس على الجانبين لا تستحب وطنيًا، من يقول «لا» لم يخن الأمانة، ومن يقول «نعم» لم يفرط في حق يعتقده، التخوين على الجانبين يورثنا ضعفًا، «آفة حارتنا التخوين»، والتخوين كالعرق الدساس، من جيل إلى جيل لسابع جيل، لم نبرأ بعد من «الأمراض السياسية المتوطنة»، نحتاج عاجلاً إلى حملة وطنية لاجتثاث هذه البذور الخبيثة من الأرض الطيبة.
أيًا كان حجم «لا» ضرورة ليختمر الأمل في فجر هذا الوطن، وأيًا كان حجم «نعم» ضرورة وطنية لدعم استقرار وطن يذهب إلى المستقبل على أرضية حوارية بين رؤى تختلف في التفاصيل، ولكنها تيمم وجهها، ترنو نحو العلم والنشيد، من قالوا «نعم» ينشدون: بلادى بلادى بلادى، ومن قالوا «لا» ينشدون: لكِ حبى وفؤادى.
نقلا عن المصرى اليوم