محمد أمين
هل يمكن تدريس (مادة الأخلاق)؟.. هذا السؤال ليس من قبيل الاستفهام، ولكنه من قِبَل الحض والتحريض على الفعل.. وقد تلقيت رسالة من الأستاذ طلعت رضوان يقول فيها: «أشاد الأستاذ محمد أمين برئيس جامعة الوادى الجديد بإصدار(كود الأخلاق) بهدف (ضبط) سلوك الطلبة» (المصرى اليوم- 29 ديسمبر2019). وذكّرنى هذا الكود الأخلاقى بقرار د. جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق الذى أعلن أنّ المنهج الدراسى للسنة الجامعية 2017- 2018 سيشمل تدريس (مادة الأخلاق).. وقتها طالبتُ بأنْ يضع تلك المادة مفكرون مصريون معروفة عنهم دراسة فلسفات العالم (القديم والوسيط والحديث)، مثل أقوال بوذا «الشخص الخير هو وحده الذى يمكن أنْ يكون حكيمًا.. والحكيم هو وحده الذى يمكن أنْ يكون خيرًا».
أما كونفوشيوس (551 ق.م) فدعا إلى إصلاحات اجتماعية من شأنها أنْ تسمح بأنْ تُدار الحكومة لمصلحة جميع مواطنى الدولة.. وشدّد على أنّ ذلك يمكن تحقيقه «إذا كان أعضاء الحكومة ممن يتميزون بأقصى قدر من الاستقامة الشخصية ويتفهمون احتياجات الناس.. ويهتمون بمصالحهم وسعادتهم قدر اهتمامهم بأنفسهم»، وأنّ الأخلاق والخير فوق القوانين وفوق العقاب.. كوسائل لتطوير السعادة الإنسانية.. وقال: إنّ ما يجعل البشر إنسانيين هو «طيبة القلب الإنسانى» بطابعه الأخلاقى نحو الحب والخير.
وقبل بوذا وكونفوشيوس- بآلاف السنين- تركتْ الحضارة المصرية مجموعة من القواعد الأخلاقية، التى تعتمد على «الضمير» أكثر من اعتمادها على أى قوانين وضعية، لأنّ العِبرة بالوجدان الذى نشأ وتربى على حب الخير وكراهية الشر، ولذلك اختار برستد عنوانًا دالاً على هذا (فجر الضمير) الذى كتبه عام 1933، وتُرجم إلى أغلب لغات العالم.. ولا يزال أحد المراجع الأساسية عن ديانة مصر القديمة.
يؤكد العلماء الذين درسوا نظام التعليم فى مصر القديمة أنه كان متاحًا لجميع أبناء الشعب ومجانيًا.. من التعليم الأوّلىّ إلى النهائى.. والأخير شبّهه العلماء بالتعليم الجامعى.. ويوجد بمتحف برلين أدوات كتابة خاصة بتلميذ من عصر الأسرة الـ22، ومن بينها لوحة كتابة عليها مقدمة بردية (آنى) وكتب التلميذ عليها فاتحة تعاليم النصائح التى ألفها الكاتب (آنى)، بعدها يأتى نص البردية التى كتبها آنى لابنه وتقرّر تعميمها لتكون مادة مقررة على جميع المدارس.. قال آنى لابنه «لا تكن سليطًا ولا متطفلا.. وعندما تكون فى بيت أحد وترى أو تسمع شيئًا فالزم الصمت ولا تبح به لأحد».
والسؤال الآن: هل يمكن وضع مادة للأخلاق تـناسب تلاميذ المرحلة الأولى، خاصة وقد تمّ وضع كتاب (منذ سنوات) وبعد طبعه تـمّ تشوينه فى المخازن؟.. وهل يمتلك المسؤولون شجاعة مراجعة الذات؟.. هذه المراجعة تُحتم عليهم البدء فورًا بالنظر إلى جيل الأطفال (بدءًا من الابتدائى)، بحيث يجلس التلميذ القبطى المسلم بجوار التلميذ القبطى المسيحى فى حصة الأخلاق.. ويتعلم التلاميذ الآيات القرآنية والإنجيلية التى تحض على حب الأسرة وقيم العطف واحترام الكبير للصغير.. إلخ!.
نقلا عن المصري اليوم