خالد منتصر
كان لى شرف التعرّف عن قرب على الباحث الشاعر المؤرخ العراقى الكبير خزعل الماجدى، عبر استضافته فى برنامجى عدة مرات، كنت أحياناً نتيجة رشاقة عرضه وأسلوبه ولغته وترتيب أفكاره، ومن فرط انجذابى لحديثه أنسى أننى فى برنامج، وأتمنى أن أنتقل من دور المحاور إلى دور من يستمع فقط، ولقد فعل معرض الكتاب هذا العام خيراً باستضافته فى ندوة ستُعقد ٢٨ يناير، وسيناقش فيها كتابه عن الحضارة المصرية، وهو اختيار ذكى، وأهمية خزعل الماجدى فى اعتباره من أوائل وأهم من طبق فى عالمنا العربى وبأسلوب أكاديمى منضبط وموضوعى علم الأديان على تاريخنا المنحاز دوماً.
يقول «د. خزعل» عن هذا العلم إن الجامعات العربية ومراكز البحوث والدراسة تهتم بكل العلوم الإنسانية من اجتماع واقتصاد وسياسة ونفس.. إلخ إلا علم الأديان، فهو مهمَل من ناحية بتعمدٍ واضح ومريب، ومن ناحية أخرى، يُنظر إليه كعدو، وليس كعلمٍ منضبط بمناهج بحث علمية، حاله حال بقية العلوم الإنسانية.
ويضيف «خزعل»: «الكثيرون يكتبون عن الأديان، لكن ليس من خلال علم الأديان، بل هم يكتبون دراسات خليطة مما هو عقائدى ومعيارى وذوقى، ويندر أن تنحو المنحى العلمى منهجياً، فهى امتداد للدراسات المعيارية، ولمحاولات البحث والتحليل العفوية الممتدة من معالجات الدفاع عن الدين أو تسفيه الأديان الأخرى، ولعل فى ما يسمى بـ(الدراسات الإسلامية)، خصوصاً الشكل العقائدى لها النموذج الواضح لهذا النوع من الدراسات، أما الشكل الأكاديمى فما زال نهب أذواقٍ ومعايير مختلفة ومتناقضة».
وبصراحته المعهودة، يؤكد أن حلّ اللغز الدينى لا يكون إلا من خلال علم الأديان وأن فهم الأديان أو الظاهرة الدينية لا يمكن أن يكون من خلال الدين نفسه أو من خلال الفلسفة، بل من خلال «علم الأديان» فقط بكل مدارسه ومناهجه، التى سيعرضها كتابنا هذا.
الأديان والظاهرة الدينية تثير، اليوم، أكبر الأسئلة وتغير أعرق المجتمعات، وتجتاح حياتنا بأكملها، ولا تستطيع فهم ما يجرى، إلا من خلال العمق العلمى والمعرفى الذى يقدّمه «علم الأديان» بشجاعة لكل الأديان مجتمعة، أو لكل دين على حدة أو للظواهر الدينية المشتركة فى جميع الأديان، وحين نصل إلى ذلك الفهم العميق سنُدرك، وقتها، أن تاريخ الإنسان فى الماضى كان غارقاً فى الدين الذى ساعد الإنسان من جهة على الصمود أمام تحديات الحياة والكون وأغرقه، من جهة أخرى، بالأوهام التى آن الأوان لكشفها بصراحة وشجاعة.
أهمية قراءة مشروع وكتب خزعل الماجدى ليست فى كثافة المعلومات التى ستحصل عليها، لكن فى منهجها العلمى الصارم المنزّه عن الهوى الشوفينى والهوس الدينى والطائفية العنصرية، تاريخ الأديان وتطبيق واستخدام أدوات العلم من وثائق وحفريات، هى أهم ما نحتاجه الآن، خاصة ونحن نحارب هذه الحرفية والفاشية والإرهاب، إدخال التاريخ إلى المعمل، سيخرجنا نحن من الكهف، وسيكون التاريخ ديناميكياً مطوراً لا استاتيكياً رجعياً متحفياً، سيكون فاعلاً فى حياتنا وليس مجرد ماضٍ نجتره وندفن كل تطلعاتنا وطموحاتنا فى ثراه لا ثرائه.
نقلا عن الوطن