كتبت - أماني موسى
عقدت اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط اجتماعها الدوري، بمدينة لارنكا القبرصية يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، بحضور غبطة خريسوستوموس الثاني رئيس أساقفة يوستنيانا وسائر قبرص للكنيسة الأرثوذكسيّة في قبرص، وبمشاركة وقود من الكنائس أعضاء اللجنة التنفيذية من كل من: قبرص، مصر، سوريا، لبنان، العراق، الأردن وفلسطين.
ترأس الاجتماعات غبطة يوحنّا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ورئيس المجلس عن عائلة الكنائس الأرثوذكسية، قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، ورئيس المجلس عن عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وغبطة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل للكلدان، ورئيس المجلس عن عائلة الكنائس الكاثوليكية، وجناب القس الدكتور حبيب بدر، رئيس الإتحاد الإنجيلي الوطني في لبنان، ورئيس المجلس عن عائلة الكنائس الإنجيليّة.
وجاء في البيان الختامي:
يأتي هذا الاجتماع في خضم الأحداث الدامية والأليمة التي تعصف بأوطاننا المشرقية، وإن أعضاء اللجنة التنفيذيّة يدركون مقدار المعاناة والآلام والتحديّات التي تمرّ بها شعوب المنطقة بمن فيهم أبناء الكنائس. وقد تأمّلوا في سر المحبة الإلهية وعطف الرب يسوع المسيح ومحبته للبشر المنقطعة النظير. وهم يناشدون المسيحيين في الشرق الأوسط التمسّك بإيمانهم والتشبّث بالرجاء، لأن الله حاضر بيننا ويساندنا، ويشركنا بحياته الإلهية. وهم يدعون الكنائس الأعضاء في المجلس الى تعزيز حضورها الى جانب كل إنسان متألّم مهجّر، نازح ومهاجر، فقد أحباءه أو ممتلكاته من جراء العنف والحروب لكي تبقى الكنائس أيقونة العطف الإلهي والرحابة.
بعد الصّلاة الإفتتاحيّة، واستعراض جدول الأعمال والموافقة على محضر اجتماع اللّجنة التنفيذيّة الّذي عُقد في مقرّ بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس (العطشانة/ بكفيا - لبنان/ ٢٢ - ٢٣ كانون الثاني/ يناير ٢٠١٩)، إنطلقت النقاشات في اليوم الأول في محاور التجدُّد الرّوحي، والتحدّيات المسكونيّة والجيوبوليتيكيّة وحوار الأديان، بالإضافة إلى آفاق التطوير المؤسّساتي للمجلس وإعادة تمكينه بعد الأزمة التي مرّ بها، بما يعزّز توجهاته الاستراتيجيّة إعدادًا للجمعية العامة الثانية عشرة.
وفي اليوم الثاني تمت مناقشة التقرير الخاص بما تم إنجازه خلال العام المنصرم والذي عرضته د.ثريا بشعلاني الأمين العام للمجلس الذي تضمن أيضًا الآفاق المستقبلية، الى جانب تقارير الدوائر السنويّة والتقرير المالي.
وأضاف البيان: بالاستناد إلى ما تم تداوله، وخصوصًا على مستوى التحديات الّتي يواجهها المسيحيون في الشرق الأوسط وشركاؤهم في الوطن، أكد المجتمعون على ما يلي:
تعزيز التعاون المسكوني في ما بين كنائس الشرق الأوسط في المجالات اللاهوتيّة والخدمة الاجتماعية والاعلامية بما يثبّت خيارها في الوحدة للشهادة ليسوع المسيح القائم من بين الأموات.
رفع الصلاة من أجل كشف مصير صاحبي السيادة والنيافة المطرانين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، المخطوفين منذ نيسان/ أبريل ٢٠١٣، مناشدين الضمير العالمي العمل لعودتهما سالمين ليتابعا رسالتهما من أجل بناء السلام وكرامة الانسان.
تصاعد التوتّرات في الشرق الأوسط والعالم العربي، يستدعي الصلاة والعمل من أجل السلام وبناء مبادرات تهدف إلى مواجهة موجات التطرف، بما يحمي سلام المجتمع وكرامة الإنسان، ويؤمّن مسالك حكيمة وحوارية لحل النزاعات في رفض للعنف والحرب.
ما يشهده العراق من تحرك شعبي، يستدعي المساهمة الحثيثة في تحقيق العدالة الاجتماعية، والنزاهة الإقتصادية، والحوكمة السليمة والسيادة الوطنية، وتمتين مبادئ المحاسبة والمساءلة ومكافحة الفساد من خلال قضاء نزيه.
معاناة الشعب السوري المتفاقمة تستدعي بذل كل الجهود وفي كل المجالات، لرفع الحصار عنه ودعم مسار استتباب الأمن وبنيان السلام، كما العمل الجاد لتوفير مقومات عودة المهجرين واللاجئين الى أرضهم.
تثمين جهود المملكة الأردنية الهاشمية، بما أؤتمنت عليه من رعاية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس الشريف، في تدعيم صون الوجود المسيحي بالتعاون مع الكنائس، كما تثمير الحوار المسيحي – الاسلامي والعيش معًا بالمواطنة.
يواكب المجتمعون بالصلاة حراك الشعب اللبناني السلمي المحقّ لاستعادة عيشه الكريم من خلال محاربة الفساد والمطالبة بإدارة سليمة لمقدراته، بما يعيد إلى وطن الرسالة دوره الحضاري نموذجًا في التلاقي على الخير العام، ومثالًا في الحرية المسؤولة.
دعم كل الجهود الآيلة لإعادة الوحدة إلى جزيرة قبرص بما يلم شمل الشعب القبرصي، ويعزّز السلام الإقليمي والدولي وينهي الاحتلال الذي أدى إلى تقسيم الجزيرة.
الاستمرار بدعم الكنائس في فلسطين، وتثمين صمود الشعب على الرغم من معاناته في ظل الاحتلال وسياسة الفصل العنصري والاستيطان، مع الدعوة إلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع الفلسطينيين من مسيحيين ومسلمين، واحترام الوضع القانوني والتاريخي القائم (ستاتيكو) من منطلق أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة.
لطالما تطلع الشعب المصري إلى ترسيخ مسار المواطنة بمنأى عن التطرف والانعزال، وهو يعايش في هذه المرحلة تمتينًا للعيش معًا بما يدفع باتجاه التأكيد على الوعي الجماعي لما تختزنه مصر من ذاكرة مليئة باشراقات العيش معًا.
إن مناداة شعوب المنطقة بالمواطنة الكاملة، المتكافلة بالحقوق والواجبات والحاضنة للتنوع، يستدعي إعادة النظر بالنظم والقوانين، وهذا يثبت أن الحاجة ملحّة لصوغ مسار يُشدّد على فهم الوحدة في التنوع، باعتبار التنوع غنى، بعيدًا من الاستنفارات الطائفية والفئوية وأنواع العصبيات كافة.
إن معاينة حال الفقر والتهميش الّذي تعيشه بعض شرائح شعوب المنطقة، يستدعي انكباب مؤسسات الدولة وهيئات الكنيسة، على بلورة سياسات تنموية تحفظ للفرد حياةً لائقة وتُسانده في المساهمة في بناء العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي.
يدعو المجلس المسيحيين في هذا المشرق المبارك إلى التشبّث بأرضهم وتراثهم وهويتهم بإيمان ورجاء، وتعزيز دورهم في ترسيخ العيش المشترك والاحترام المتبادل والتكافل الاجتماعي.
إن استمرار حالات اللجوء والنزوح يتطلب تضافرًا للجهود مع المجتمع الدولي وعلى رأسها الأمم المتحدة كما الهيئات الدينية للعمل الجاد لعودة اللّاجئين والنازحين إلى أرضهم ومساعدتهم في بلدانهم ليتأمّن لهم العيش الكريم بما يحمي هويّتهم وحضارتهم. كما يتطلب استمرار دعم المجتمعات المضيفة، وتوفير مقومات الصمود والحماية للاجئين والنازحين حتّى عودتهم.
تفعيل التنسيق والتواصل تحضيرًا للجمعية العامة لمجلس كنائس الشرق الأوسط المقرّر انعقادها بين ١٦ و ١٩ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٠ في لبنان، تحت عنوان "أنا هو، لا تخافوا" (متى ١٤: ٢٧) ، بضيافة كريمة من غبطة بطريرك الكنيسة المارونية الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي.
في الختام شكر المجتمعون صاحب الغبطة خريسوستوموس الثاني والكنيسة الأرثوذكسيّة في قبرص على الاستضافة الكريمة، شاكرين إلى الرب يسوع، الذي يجمع كنيسته بالوحدة في المحبّة، واثقين أن كنائس الشرق لم ولن تكون وحيدة في شهادتها مجدّدين إيمانهم بوعد الرب "ها أنا معكم كلّ الأيام الى إنقضاء الدهر " (متى ٢٨: ٢٠)، وأن المسار نحو الجمعية العامة الثانية عشرة سيجسّد شهادة الكنائس المشتركة ويسعى للإضاءة الواقعية والنبوية على دور المسيحيين في هذا الشرق الجريح لا سيما في النضال من أجل كرامة الإنسان، وهذا يقتضي تعاونًا بين المسؤولين لتأمين مستقبل يليق بحضارة هذا الشرق وقيَمه، حيث يشكّل التنوع نموذجًا في العيش معًا.