كمال زاخر
13 ـ التعليم والمواطنة ... توصيات من مؤتمر فات
استأذن القارئ المتابع فى أن افسح سطورى لتستضيف بضع كلمات للأستاذ الدكتور محمد منير مجاهد أبرز المؤمنين بالدولة المدنية التى تقوم على مبدأ المواطنة، والتعددية، ومؤسس مجموعة "مصريون ضد التمييز الدينى"، ويبدو أن له من اسمه نصيب، فهو مجاهد عتيد فى سبيل ترسيخ وتفعيل قيمة المواطنة، حيث العدالة والمساواة لحساب وطن يستحق.
وكلماته وردت فى تقديمه لكتاب يضم وثائق المؤتمر الأول لمناهضة التمييز الدينى (القاهرة 11 ـ 12 ابريل 2008) وشارك فيه العديد من الرموز المصرية المهمومة بقضية المواطنة من مختلف التوجهات والإنتماءات الفكرية والسياسية. وكان عنوان الكتاب "مصر لكل المصريين".
ثم نعقب سطوره بالتوصيات التى صدرت عن المؤتمر الثانى الذى تبنى قضية التعليم والمواطنة (القاهرة 24 ـ 25 ابريل 2009) ويعد امتداداً للمؤتمر الأول، وشارك فيه نخبة من التربويين المتخصصين والمفكرين والمثقفين والكتّاب والسياسيين الذين يؤمنون بالمساواة وبحرية الإعتقاد لكل المصريين.
وكلا المؤتمرين استضافهما حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى.
يقول الدكتور مجاهد :
(تعد التعددية الثقافية والدينية سمة أساسية من سمات الثقافة المصرية على مدى التاريخ، فقد عاش المصريون عشرات القرون ينعمون بهذا المزيج الثقافى حيث تتجاور الثقافات المختلفة بدون تطاحن، ودون أن تحاول أى منها فرض نفسها على بقية الثقافات، ولم يكن التمييز الدينى أو الإضطهاد على نطاق شامل ضد المختلفين دينياً عن الديانة السائدة إلا ظواهر استثنائية شاذة، ولم تعرف مصر فى تاريخها مناطق أو قرى أو أحياء أو شوارع تقتصر على أتباع دين دون الآخر، وعاش المصريون من جميع الأديان متجاورين فى كل الأماكن.
إلا أن هذه التعددية والقبول بالآخر المختلف دينياً بدأت تتآكل فى العقود الأخيرة، لأسباب سياية واقتصادية واجتماعية تزامنت مع الحقبة النفطية التى أعطت بعض دول الجزيرة العربية (الثرية مالياً والفقيرة ثقافياً) الفرصة لترويج مفهومها الخاص عن الإسلام الوهابى المتجهم الذى لا يقبل بالآخر. وقد وصل التمييز الدينى والفرز الطائفى إلى درجة ملحوظة ولا يمكن أن تخطئها عين، وشاع مناخ هستيرى معبأ بالكراهية ضد غير المسلمين فى مصر.
لمواجهة هذه الكارثة تشكلت مجموعة "مصريون ضد التمييز الدينى" المعروفة اختصاراً باسم "مارد" فى اغسطس 2006 كتطوير لمقاصد بيان بعنوان "مسلمون ضد التمييز" صدر فى اعقاب اعتداء مسلح على ثلاث كنائس بالأسكندرية فى ابريل من نفس العام قام به شخص وصفته أجهزة الأمن بأنه مختل عقلياً، وتحدد هدف المجموعة فى مناهضة التمييز الدينى والدفاع عن حقوق المواطنة الكاملة لكل المصريين، وتمثل هذه المجموعة تجربة مهمة فى السياسة المصرية؛ فلأول مرة تتفق مجموعة من المواطنين من منابع فكرية ورؤى سياسية مختلفة ـ بل ومتناقضة ومتناحرة غالباً ـ على العمل المشترك لتنفيذ هدفاً واحداً يتفقون عليه؛ ألا وهو مناهضة التمييز الدينى دون الإنجرار إلى الموقف التقليدى لبعض السياسيين فى مصر "كل شئ أو لا شئ".)
ويروى الدكتور مجاهد ملابسات عقد المؤتمر الأول فى المقر الرئيسى لحزب التجمع، وكان مقرراً له أن يعقد باحدى قاعات نقابة الصحفيين، وبموافقة نقيب الصحفيين، الأمر الذى ازعج دعاة التمييز الدينى داخل النقابة وداخل مجلسها، فروجوا انه مؤتمر "لنشر الفكر البهائى" ، فقام أمين عام المؤسسة المنظمة للمؤتمر بارسال برنامج المؤتمر ، مرفقاً به خطاب يؤكد أن المؤتمر سيعقد تحت شعار "مصر لكل المصريين" ولن يناقش العقائد الدينية، وأن عدداً كبيراً من المتحدثين بالمؤتمر أعضاء بنقابة الصحفيين، فجاء رد النقابة بقيولها عقد اللمؤتمر وأن الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين سوف يحضر افتتاح المؤتمر.
لكن المشاركون فى المؤتمر فوجئوا بغلق باب النقابة أمامهم صبيحة يوم الجمعة 11 إبريل 2008، بواسطة مجموعة من حوالى 7 صحفيين كانت تحتل المبنى من الداخل ، ولم ينصاعوا لمحاولات النقيب فتح ابواب النقابة، الأمر الذى دفع منظمى المؤتمر الى الاتصال بالدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع وطلبوا منه فتح مقر الحزب الذى يقع بالقرب من النقابة، فاستجاب للطلب وعقد المؤتمر بمقر الحزب وشهد اقبالاً من كافة القوى الوطنية. وتصدر أوراقه ومناقشاته وتوصياته فى مجلد يربو على خمسمائة وخمسين صفحة من القطع الكبير.
وبعد عام ينعقد المؤتمر الثانى تحت عنوان "التعليم والمواطنة" ويصدر فى نهاية فعالياته حزمة من التوصيات الهامة والعملية برؤية الخبراء التربيون، وتصدر اوراقه فى مجلد يماثل مجلد المؤتمر الأول.
توصيات مؤتمر التعليم والمواطنة :
1. إعمال حزمة من التدخلات الإدارية الصارمة لاستئصال التخلف والتعصب الدينى من مؤسسات التعليم عن طريق :
• تطبيق معايير صارمة لتقييم اداء المعلمين ومدى التزامهم بقواعد واضحة ومعلنة للتدريس والسلوكيات فى الفصول المدرسية وفى تعاملهممع الطلاب، ويتعهد المعلمون بالإلتزام بها.
• التأكد من اجتياز المعلمين والمعلمات عدد من الدورات المؤهلة تربوياً بما فى ذلك دورات فى حقوق الإنسان ومعاييرها العالمية
.
• إعادة تأهيل العاملين بالوظائف التدريسية بعقد دورات تدريبية مناسبة وضمان اجتيازها بنجاح.
2. دمج المعاهد الأزهرية ضمن منظومة التعليم المدنى تحت اشراف وزارة التربية والتعليم، وأن تعود جامعة الأزهر لتصبح جامعة دراسات دينية اسلامية يلتحق بها الراغبين بعد انتهائهم من التعليم الجامعى، مع تطوير الدراسات الدينية بحيث تعالج مشاكل وقضايا الحاضر والمستقبل بدلاً من حبسها فى اطار الماضى السحيق.
3. تعزيز سلطة الدولة ـ بمعناها الواسع ـ فى فرض القوانين على كافة المنظومات التعليمية لضمان الجودة التعليمية فى التطبيق العملى، والتأكد من عدم تحول المدارس إلى مشروعات تجارية استغلالية فاحشة، وبما يكفل التنوع فى برامج التعليم مع ضمانة توافرها للجميع بحسب الرغبة والكفاءة، وعلى أساس التعليم الوطنى الذى يدعم الهوية المصرية.
4. مراجعة كافة المواد الدراسية لتنقيتها من كل ما يعمق التقسيم والفرز الطائفى بين المواطنين المصريين، والتأكد من أن تدريس الأديان يتم فقط فى المقررات الدينية وفى إطار أخلاقى مشترك، وتدريس ما يساعد على التسامح وقبول التعددية والتنوع واحترام حقوق الإنسان والحرية الدينية.
5. الإستفادة من خبرات وتجارب البلدان المتقدمة فى القضاء على كافة أنواع التمييز وخاصة التمييز الدينى فى المدارس والجامعات، عن طريق تطوير المناهج، ومحتوى ومضمون المقررات التعليمية، ونظم التقييم والإمتحانات، وأساليب التعلم، وتعديل كافة التشريعات بما يضمن المساواة وتكافؤ الفرص ومنع كافة اشكال التمييز فى المؤسسات التعليمية.
6. تعديل النظرة الرسمية والمجتمعية للتعليم إلى كونه احتياجاً مجتمعياً وضامناً لكافة حقوق الإنسان الأخرى، وكفالة استقلال الاستراتيجيات الخاصة بالتعليم عن التوجه السياسى والإقتصادى لمؤسسة الحكم.
7. رفع الميزانية الخاصة بالتعليم لتصل بنصيب الطالب إلى 3000 جنيه مصري فى العام كحد أدنى فى مقابل النصيب الحالى المقدر بحوالى 800 جنيه مصرى، مع ربطها بنسبة ثابتة من الدخل القومى، ومنح المعلمين والعاملين بالتعليم كافة حقوقهم المتعلقة بالأجور وبمجمل مناخ العملية التعليمية.
8. تعديل الفقرة الثانية من المادة السادسة لقانون التعليم رقم 139 لسنة 1983 والتى تنص على "عمل مسابقة دراسية لحفظ القرآن الكريم بجميع المراحل، وتخصيص مكافآت لها تحدد من قبل المجلس الأعلى للتعليم" بما يتلائم مع شروط المواطنة الصحيحة