كتب – روماني صبري
ولد في مثل هذا اليوم 20 يناير عام 1868، السياسي والحقوقي المصري "محمد فريد" في محافظة القاهرة، وهو الرجل الذي قرر توظيف أمواله في سبيل القضية المصرية، ويشتهر فريد بكتابه "تاريخ الدولة العلية العثمانية" .. ويعد الراحل حتى يومنا هذا من ابرز المعارضين للاحتلال الانجليزي لمصر، وفي إطار ذكرى ميلاده نرصد في السطور المقبلة أهم المحطات في حياته.
اعتماد دستور يحمي حقوق المصريين
ومنذ دفع باسم فريد إلى واجهة المشهد السياسي في مصر، جدد مطالبته باعتماد دستور مدني جديد ينص على حماية حقوق كل المصريين، إلى جانب مناشدته للشعب برفض الاحتلال الانجليزي، فانبثق من دعواته الحركات الثورية الرافضة للاحتلال، ومن اكبر انجازاته أيضا حرصه على إنشاء مدارس ليلية داخل الإحياء الشعبية الفقيرة ليعلم سكانها القراءة والكتابة بالمجان، وكانت هذه المدارس في القاهرة ثم امتدت لكافة المحافظات المصرية، ولم يقتصر الأمر على المدارس فقط حيث انشأ أول نقابة للعمال عام ١٩٠٩، علاوة على ظاهرة المظاهرات الشعبية المنظمة تلبية لدعواته المنددة بالاحتلال الانجليزي، ومنها احتجاجات الآلاف في حديقة الجزيرة والتي كانت تسير حتى القاهرة.
لماذا اهتم بالتعليم ؟
لطالما رأى "فريد" أن الجلاء لن يتحقق إلا عبر شعب واع مثقف يرفض فتات الخبر من المحتل، ويدرك أن حقوقه وحريته تتحقق بالاستقلال، فدفع برجال الحزب الوطني وكل المقربين منه مثل المحاميين والأطباء لتعليم الأميين في هذه المدارس في القاهرة والأقاليم.
سبب إفلاسه
وما كشف أن الراحل ابن العائلة واسعة الثراء كانت رسالته التنويرية حقيقية وغير مزيفة، تعرضه للإفلاس رغم حصوله على لقب (البهوية)، جراء ضخ كل أمواله على تعليم المصريين وخدمة القضية المصرية والتنديد بالاحتلال الانجليزي، ولجهوده هذه أراد الاحتلال الانجليزي الانتقام منه فتم اعتقاله ونفيه إلى برلين بألمانيا.
صفعته الكبرى للانجليز
كان كتب فريد صيغة موحدة للمطالبة بالدستور، طبع منها عشرات الآلاف من النسخ، ودعا الشعب إلي توقيعها وإرسالها إليه ليقدمها إلى الخديوي، فنجحت الحملة وذهب فريد إلى القصر وسلم أول دفعة من التوقيعات وكانت 45 ألف توقيع لتليها دفعات أخرى.
المنفى والرحيل
غيب الموت "فريد" في 15 فبراير عام 1919 في المنفى، بعد أن نزل به الحزن والاكتئاب لابتعاده عن مصر علاوة على مرض الكبد، رغم أصوله العثمانية، وكان من أحلامه التي اخبر بها المقربين منه أن يدفن في مصر بعد وفاته، وبسبب إفلاسه فشلت عائلته في استرجاع جثمانه ودفنه في مصر.
رمز الاستقلال والتضحية
وفي هذا الصدد قال المؤرخ "عبد الرحمن الرافعي" في كتابه "محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية"، أنه عندما أيقن محمد فريد أنه سيفارق الحياة دون أن يرى استقلال بلاده، استسلم للموت، وجمع إخوانه الموجودين حوله، وأوصاهم بالاتحاد، وأن يبثوا بين أبناء الوطن هذه الروح السامية التي تحفظ كيانهم، وتقرب استقلالهم.
وبعث برسالة للمصريين :" أنا وأولادي وكل عزيز لدي فداء مصر، لقد قضيت بعيدا عن مصر سبع سنوات، فإذا مت فضعوني في صندوق، واحفظوني في مكان أمين، حتى تتاح الفرصة لنقل جثتي إلى وطني العزيز الذي أفارقه، وكنت أود أن أراه."
ماذا كان هذا المكان الأمين ؟
وكشف الرحمن الرافعي في كتابه الآخر "بطل الكفاح الشهيد محمد فريد""، أن الزعيم الراحل عندما توفي في ألمانيا، كانت عودة جثمانه إلى مصر أمرا يبدو مستحيلا، بسبب أزمة ذويه المادية، حيث تم تأبينه هناك من قبل عدد من طلابه، وعدد من الوفود الشرقية هناك، وبقى التابوت الذي حمل جثمانه وديعة لدى كنيسة ألمانيا، وظل فيها حتى نقل إلى مصر في يونيو 1920."
أمنيته تتحقق
موضحا :" تم تكوين وفد مصري من اثني عشر طالبا من تلامذة الزعيم محمد فريد، ليتولوا مهام نقل الرفات، لكن القدر لم يمهلهم إتمام مهمتهم، بعدما لحقوا بمعلمهم إلى الرفيق الأعلى، حيث توفوا أثر حادث قطار كان يقلهم على الحدود الإيطالية النمساوية في طريقهم إلى ألمانيا، وبعدها كثف تاجر القماش الحاج خليل عفيفي من جهوده حتى عاد الجثمان عام 1920 إلى ارض الوطن وشيع في جنازة شعبية مهيبة، لتمنح الحكومة المصرية وساما للحاج عفيفي تكريما له على جهوده التي تسببت في تحقيق أمنية فريد وهي أن يدفن في ارض وطنه.