كان عيدا لكل المصريين ، حتى اقتصر الاحتفال به داخل الكنائس
كتب – ايهاب رشدى
القلقاس والقصب والبرتقال
يحتفل مسيحيو مصر غدا بعيد الغطاس المجيد وهو أحد الأعياد السيدية الكبرى فى الكنيسة القبطية ، وينفرد أقباط مصر بمظاهر احتفالية خاصة فى هذا العيد ، فتجد أطباق القلقاس تتربع على موائد بيوت الأقباط فى وجبة العشاء عقب انتهاء قداس العيد ، أما حلوى هذا العيد بالنسبة للصغار والكبار فهى القصب المصرى الذى يتناولونه فى يوم العيد مع البرتقال واليوسفى .
قداس اللقان وماء البركة
ويتوافد الأقباط مساء اليوم على الكنائس لحضورصلاة قداس عيد الغطاس ، وهو أحد ثلاثة قداسات تصليها الكنيسة مساءً ، فى الليالى التى تسبق أعياد الميلاد والغطاس والقيامة .
أما قداس عيد الغطاس فله طقوس مميزة فى الليتورجية القبطية ( خدمة القداس الالهى ) حيث تصلى فيه الكنيسة قداس اللقان ( أى المغسل ) وله صلوات خاصة يتم فيها تقديس ماء اللقان ، تذكارا لمعمودية السيد المسيح التى كانت فى ماء نهر الأردن ، ويحرص المصلون على اقتناء قليلا من ماء اللقان بعد انتهاء الصلوات ؛ لأنه أصبح ماء مقدسا ومصدرا للبركات الالهية .
البلابيصا
أما عن احتفالات الغطاس فى مصر ، فى الأمس القريب فيقول الدكتور عاطف نجيب أستاذ القبطيات بجامعة القاهرة و المديرالسابق للمتحف القبطى ، أن مظاهر الاحتفال بعيد الغطاس كانت تعرف بـ " البلابيصة" وهي عبارة عن شمعة موقدة توضع في برتقالة أو يوسفي مفرغة وتثبت علي بضع عقلات من القصب , ثم نضعها تحت مخدتنا مع جزرة حمراء أو صفراء و برتقاله و شمعة أخري .
عندما كانت ليلة الغطاس أحسن ليلة فى مصر
ويذكر أستاذ القبطيات أن أصل كل ذلك يرجع لعصور ساحقة في القدم , فيقول المقريزي في خططه (ت 1444م ) نقلا عن المسعودي :" و لليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها لا ينام الناس فيها و هي ليلة الحادي عشر من طوبه و لقد حضرت سنة ثلاثين و ثلاثمائة هجرية (941م) و الإخشيد في داره المعروفة بالمختارة في الجزيرة و قد أمر فأسرج في جانب الجزيرة و جانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل و الشمع من النصارى و المسلمين على سائر الشطوط وكل ما يمكنهم إظهاره من المآكل و المشارب و الملابس و آلات الذهب و الفضة و الجوهر و الملاهي و العزف و القصف ، وهي أحسن ليلة تكون بمصر و أشملها سرورا و لا تغلق فيها الدروب و يغطس أكثرهم في النيل .
ويتابع الدكتور عاطف نجيب حديثه عن التسلسل الزمنى للاحتفال بعيد الغطاس فى مصر ، فيقول .. و في سنة 367 هجرية (977م) مُنع النصارى من نزول الماء و إظهار الملاهي ، وفي سنة 388هجرية (998 م) كان الغطاس فضُربت الخيام و المضارب والأَسِرَّة في عدة مواضع على شاطئ النيل و نُصبت أسرة للرئيس فهد بن إبراهيم النصراني كاتب الأستاذ برجوان و أوقدت له الشموع و المشاعل و حضر المغنون إلي أن كان وقت الغطاس فغطس و انصرف.
وجاء الحاكم بأمر الله الفاطمي فأُبطل الاحتفال بالغطاس ، إلا أن ابنه الظاهر أعاده في عام 1014 م مع فارق وهو ألا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم في البحر اى فى النيل ، و جلس أمير المؤمنين في خيمة عند الجسر و أمر بأن توقد الناس المشاعل في الليل و حضر الرهبان و القسوس بالصلبان و النيران فقسسوا هناك طويلا إلى أن غطسوا , و ما لبث العيد ذهاء قرنين حتي اختفي مع بدايات الدولة الايوبية و انزوي العيد في الكنائس فقط .
وعلى صعيد مؤرخي الكنيسة القبطية ، يقول أستاذ القبطيات أن ابن سباع - القرن الرابع عشر - في كتابه " الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة " ، يذكر مظاهر الاحتفال بعيد الغطاس اذ يقول " ليكن الغطاس نصف الليل و يقدس على المغطس بعد قراءة النبوات و الفصول اللائقة بالغطاس في الاردن ، ولُيوخذ في قنينة عند الحج من ماء الأردن يسيرا و يوضع في قناني و يُحمل إلي كل بلدة و قرية و مدينة و يستبقي الي ليلة الغطاس فاذا قدس الكاهن على الماء و تكون تلك القنينة حاضرة وقت الاسباديقون في قداس العادة و يقول الكاهن : "القداس للقديسين" حينئذ يرفع الكاهن المقدس على المغطس تلك القنينة و يقول وقت سكبها : " ايسباتير اجيوس" و بعد ذلك يقرأ مزمور مائة و خمسين و مائة كيرياليصون ثم يغطسوا الناس مثال المسيح في الاردن من يوحنا"