بقلم: حامد الحمداني
خمسة أشهر تفصل الشعب العراقي عن الانتخابات القادمة، وبكل تأكيد تتسم نتائجها بأهمية بالغة تتعلق بمصير العراق، فإما الاستمرار على هذا النهج الذي تدار به العملية السياسية البائسة، واستمرار المحاصصات الطائفية والعرقية، يجري اختيار أعضائه من ذات الأحزاب الطائفية والعرقية، ولا صلة لهم بالشعب وهمومه المعيشية، والعيش بسلام وأمان، وتأمين حياة كريمة له من خلال معالجة مشكلة البطالة المستعصية، والاهتمام الجدي بالخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء الذي لا حياة بدونه، ومعالجة الغلاء المستفحل والتضخم المتصاعد يوماً بعد يوم، حتى وصلت طبقة البيض على سبيل المثال بـ 6000 آلاف دينار، في حين أن دخل المواطن العراقي لا يكاد يسد ابسط حاجاته المادية، وهو يعيش في بلد من أغنى بلاد العالم هذه الحياة الصعبة والقاسية في حين تنعم بحياة مرفهة وخيالية زمر من الذين جاء بهم الاحتلال إلى سدة الحكم، والبرلمان، والمراكز العليا في الدولة، من دون التمتع بالكفاءة والأمانة التي تؤهلهم لشغل هذه المناصب والمراكز والوظائف، والذين هم في وادٍ والشعب المسحوق في وادٍ آخر.

 إن جهاز دولة  يغطيه الفساد من قمة الرأس حتى أخمص القدم، والفاسدون على درجات، فاسدون كبار يتحدثون بالمليارات، وفاسدون متوسطون يتحدثون بالملايين، وفاسدون صفار اتخذوا من الرشوة سبيلاً للنهب الحلال من أفواه التعساء البائسين من أبناء الشعب، فلا تكاد أبسط معاملة لموطن في دائرة حكومية تمشي دون رشوة يضطر المواطن لاقتطاعها من أفواه أطفاله الجوعى لينجز إعماله ومصالحه.

وفوق كل هذا وذاك تعود العبوات الناسفة والسيارات المفخخة في طول البلاد وعرضها من جديد لتضرب يميناً وشمالا بالمواطنين، وهم سائرون نحو أعمالهم أو مدارسهم وجامعاتهم، أو ذاهبون للتسوق، ليصبحوا طعاماً لهؤلاء القتلة المجرمين الذين يجلس قادتهم في البرلمان العراقي العتيد وحكومة المحاصصة الطائفية، والأجهزة الأمنية المخترقة بميليشيات القتل على الاسم والهوية.
وثالثة الأثافي التهديدات التي يطلق قادة الأحزاب القومية الكردية صباح مساء محذرين إما الاستحواذ على كركوك والموصل وديالى والكوت، وإما الحرب القومية القادمة لا محالة، وكل المعطيات على الساحة السياسية في البلاد تشير إلى أنها واقعة لا محالة، وإنها تنتظر التوقيت المناسب، والاستعدادات الحربية تجري على قدم وساق.
أي محنة تعيشها أيها الشعب العراقي المهضوم الحقوق؟
أي حياة بائسة يسودها القلق الدائم مما تخبئه لك الأيام القادمة؟
ما هو السبيل للخروج من هذا النفق المظلم؟
إن الأمر بيدك أيها الشعب، والفرصة مؤاتية، وعليك أن لا تضيعها كما ضيعت الفرص السابقة في الانتخابات الأولى والثانية، والتي جاءتك بهذا الدستور المعلول، والطغيان الطائفي والقومي المجنون، حيث لا هم لهم سوى امتلاك السلطة والثروة، وليذهب الشعب إلى الجحيم.
ينبغي لك أيها الشعب المظلوم أن تستعد من هذه الساعة للانتخابات القادمة من خلال نضال متواصل دون هوادة،  والضغط على السلطة القائمة لتحقيق المطالب التالية التي لا غنى عنها لقلب المعادلة، والإتيان ببرلمان يعبر أصدق تعبير عن أهداف وحاجات منتخبيه، وانبثاق حكومة تنكوقراط ديمقراطية حقيقية نظيفة، بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية اللعينة، تنصرف نحو إصلاح جذري للعملية السياسية الفاسدة، والعودة نحو النظام الرئاسي، واختيار رئيس الجمهورية من قبل الشعب في انتخابات مباشرة، مع تحديد دقيق لصلاحياته بما يمنع قيام دكتاتورية جديدة،  وإصلاح جذري للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وتنظيفها من العناصر الميلشياتية التابعة للأحزاب السياسية، واستئصال كافة الميليشيات الحزبية، وجمع كل الأسلحة منها تحت سيطرة الدولة، وإعادة الأمن والسلام الحقيقي والدائم في البلاد، والتفرغ لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمية في البلاد بشكل جدي، والنهوض بالبنية الصناعية والزراعية المدمرة.

وليكن في علمك أيها الشعب العراقي النبيل إن عملية الإصلاح هذه لن تتم إلا من خلال تحقيق الشروط التالية:
أولاً: ينبغي النضال من أجل سن قانون جديد للأحزاب السياسية يحرّم تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو قومي أو طائفي، وفصل الدين عن الدولة، وهذا شرط أساسي لقيام حياة حزبية ديمقراطية.
فما دامت الحياة الحزبية قائمة على أساس ديني أو طائفي أو عرقي فلن يستقر الوضع الأمني في البلاد، ولن يتمتع أبناء الشعب بالحريات العامة والشخصية، وبالديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ثانياً: ينبغي النضال من أجل سن قانون الانتخاب على أساس القائمة المفتوحة، وإن يتم الترشح للبرلمان من قبل أبناء المنطقة نفسها، ليكون النائب على صلة وثيقة بناخبيه، تجعله ينصرف بصدق نحو خدمة أبناء الشعب الذين انتخبوه، وحاسبته باستمرار، لا كما جرى في الانتخابات السابقة حيث التصويت للكتل الحزبية التي جاءت إلى البرلمان بعناصر لا تستحق أبداً الموقع الخطير الذي يهم مصلحة الشعب بالدرجة الأولى.
كما ينبغي إشراف الحكومة المركزية على تمويل الأحزاب السياسية، ومنع أي تمويل خارجي، وغلق كل حزب يثبت تلقيه تمويلاً خارجياً.

ثالثاً: ينبغي التأكيد على المرشحين الذين يجرى انتخابهم العمل على تحقيق المطالب التالية:
1ـ الالتزام بإجراء تعديلات جذرية على الدستور الحالي تضمن الحفاظ على وحدة البلاد أرضا وشعباً، وإزالة أية إشارة وردت في الدستور للطائفية والعرقية ، والتأكيد على الديمقراطية، وحقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي شرعته الأمم المتحدة منذ عام 1948، ووضعها في صلب الدستور المعدل، والتأكيد على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، والعدالة الاجتماعية.

2ـ  ينبغي تأجيل قانون المحافظات الذي جرى سنه بموجب الدستور البريمري في الوقت الحاضر، حيث الظروف الحالية للعراق لا تساعد على قيام هذا المستوى العالي من النتظيم، الذي يتطلب نضوجاً عالياً لدى الشعب العراقي، والذي جاء بنتائج عكسية تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي وتهديد وحدة البلاد.
3ـ  إن العراق في المرحلة الحالية بحاجة ماسة إلى حكومة مركزية قوية تضم عناصر متخصصة كل في مجال عمله واختصاصه، لتتولى إعادة اللحمة للمجتمع العراقي،  وتعيد بناء البنية التحية المهدمة، وتحافظ على أمن العراق الداخلي والخارجي، وتحقق السيادة والاستقلال، والتحرر من ربقة الاحتلال، مع إقامة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة وسائر بلدان العالم على أساس احترام سيادة واستقلال العراق ووحدة أراضيه.
 
4ـ  ينبغي النضال من أجل سن قانون {من أين لك هذا} ومحاسبة المسؤولين في النظام السابق والنظام الحالي على حد سواء، وتقديم الذين اثروا على حساب الشعب للمحاكم المختصة،  لينالوا العقاب الذي يستحقونه بموجب القانون، واستعادة كل ما حصلوا عليه بطريقة غير شرعية ومنعهم
 من إشغال أية وظيفة عامة في الدولة لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
كما يجب أن ينص القانون على تقديم كل موظف من درجة معاون مدير عام وحتى رئيس الجمهورية جرداً بممتلكاته، وأفراد عائلته، قبل توليه العمل الوظيفي أو السلطة وبعد انتهاء عمله للتأكد من عدم استغلاله لوظيفته للإثراء غير المشروع.
رابعاً: ينبغي توحيد كافة القوات المسلحة بجيش واحد، وتحت سلطة الحكومة المركزية، فلا يجوز أن يكون في البلاد جيشين، وهي سابقة خطيرة لا وجود لها في أي بلد اتخذ من الفيدرالية نظاماً للحكم، ومن حق الشعب الكردي أن يتمتع بالحكم الذاتي بكامل حقوقه القومية شرط احترام وحدة العراق أرضا وشعبا، والكف عن تأجيج الشعور العنصر الشوفيني الذي لن يقود الشعب العراقي بعربه وأكراده وسائر مكوناته الأخرى إلا إلى الحروب والخراب والدمار.
خامساً: الثروات الطبيعية كافة دون استثناء ينبغي أن تكون تحت سلطة الحكومة المركزية التي ينبغي أن توزع المشاريع الصناعية والزراعية والعمرانية والخدمية على قدم المساواة بين سائر المحافظات مع مراعاة المحافظات الأكثر تخلفاً للنهوض بها إلى مستوى المحافظات الأخرى.

سادساً: العلاقات الخارجية ينبغي أن تكون من صميم واجبات الحكومة المركزية، ولا يحق لأية جهة إقامة علاقات سياسية خارجية إلا من خلال الحكومة المركزية.
هذا هو الطريق الذي يمكن أن يخرج العراق من محنته الحالية، ويحقق للشعب العراقي طموحاته المشروعة بحياة حرة وديمقراطية، في ظل الأمن والسلام والطمأنينة، والتعايش الأخوي بين مكونات الشعب بكل أطيافه، ولن تتحقق هذه الآمال إلا بتصاعد الوعي الشعبي، وزجه في النضال من تحقيقها، وتتحمل كل القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية والعلمانية مسؤولية نشر الوعي بين صفوف الشعب، وحثه على فهم حقيقة الوضع المأساوي السائد، وضرورة تغييره من أجل تحقيق طموحاته المشروعة.