ما حدث في المنصورة لم يكن مجرد "تحرش" كالذي يحدث يوميا في كل شوارع مصر ، إنه أخطر من ذلك بكثير. لقد تعرضت فتاة المنصورة إلى ثلاث جرائم من العنف الجنسي؛
-شروع في هتك عرض
-هتك عرض
-وشروع في قتل
و هتك العرض بتعريف القانون المصري هو الوصول او محاولة الوصول الى العورة وهي ما يحاول الشخص تغطيته من جسده وإخفاؤه عن الأبصار. وهذا ما حدث بالضبط حيث قالت البنت (حطوا أيديهم في أماكن حساسة وكان بيحاولوا يقلعوني هدومي ).
كما انه كان شروع في قتل بشهادة صاحب السيارة التي أنقذتها عندما قال" لو اتاخرت خمس دقايق كانت ماتت".
لقد أصبحنا في مرحلة عنف مختلفة جوهريا؛ هتك عرض وسحل و شروع في قتل و على بعد خطوة من الاغتصاب الجماعى.
حدث في المنصورة ومن قبل في طنطا وفي القاهرة وفي مدن وقرى مصرية أخرى وهو عنف جنسي شديد مسؤول عنه كل من صمت عنه أو برر له أو صادق عليه أو شجعه بدعوى أن "اللبس غير مناسب" أو "نازلة ليه فى الوقت ده" و غيرها من محاولات التخفيف و القبول الضمنى و شرعنة "سلوكيات العنف الجنسي الجديدة" التى لم يعرفها آباءنا أو اجدادنا.
هذا العنف يهدد حياة الملايين من النساء المصريات سواء من تعرضت له او من سمعت به او شاهدته ان هو مر بلا حساب لانه يهدد أسس الحياة المدنية المبنية على عقد الثقة المتبادلة وضمان الأمان بين المواطنين، بتهديده حياة النساء في الشارع المصري.
ومن الناحية النفسية فأن هتك العرض والعدوان الجسدي الشديد الذي حدث لبنات المنصورة هو أخطر الكوارث النفسية التي يمكن ان يواجهها الانسان و ٧٠٪ من النساء اللاتي يتعرضن أو يشاهدن مثل تلك الحوادث سوف يعانين لسنوات طويلة من اضطراب الكرب والذي يعني أن من تعرضت له ستعاني لسنين طويلة قادمة من نوبات الفزع والآلام الجسدية واسترجاع مشاهد وأصوات وروائح المعتدين في يقظتها ونومها بشكل متكرر حتى تتحول حياتها الى استعادة مستمرة لما حدث وكذلك تجنب كل ماله علاقة بالحدث بما في ذلك تجنب الناس والشوارع مما يعيق حركتها الطبيعية وقد تصاب بنوبات انشقاقية تصل الى درجة الانفصال عن الذات او الواقع واستغرابهما مما قد يعطلها عن الاستمرار في ممارسة حياتها بشكل طبيعي وقد تفشل في العمل او الزواج وكثيرات منهن يفشلن في تبني حياة زوجية وجنسية طبيعية بسبب احداث كتلك.
و يتم فى بعض الدول تعويض الأشخاص الذين يتعرضون لمثل تلك "حوادث العنف" لما يسببه للضحية من إعاقة.
كما أن النساء اللاتي يسمعن عن تلك الحوادث اما مباشرة او في الاخبار سوف يعانين أيضا، لاحساسهن بالتهديد و اختلال إحساسهن بالأمان فى الفضاء العام و تزايد القلق الداخلى لهن ما يؤثر على نفسيتهن بمزيد من التوتر، الاكتئاب أو حتى الإرهاب الاجتماعى فى بعض الحالات.
لا يوجد مبرر أخلاقي أو ديني أو اجتماعي أو قانوني لما حدث. إذ أن الدستور و العرف لا يفترضان وجود زي موحد للنساء، لاننا مجتمع متعدد الثقافات تلبس فيه المرأة الجلباب الفلاحي والفستان والعباءة الخليجية والجيب والشورت والحجاب والنقاب وعلى الشواطيء تلبس المايوه البكيني والمايوه الشرعي جنبا الى جنب وفي الحفلات والأفراح تلبس فستان السهرة والناس تعرف ذلك والدولة تعرف ذلك ورجال الدين والقانونيون والإعلاميون والمشرعون والقاصي والداني يعرفون ذلك ولا يمكن بحال تبرير جريمة مثل هتك العرض والانتهاك الجسدي الشديد بدعوى اللبس إلا اذا كان وراء هذا التبرير نفسًا مضطربة تستلذ عذابات الآخرين.
لعشرات السنوات كان ومازال جسد المرأة محل معارك تتقاذفه إما بتصويره محلًا للشرور والنجاسة او محلا للشهوات والمتعة ومع هذه التجاذبات تتحرك أيدي المضطربين والمجرمين اما لانتهاكه جنسيا او نفيه او حتى قتله..
النساء في بلدنا أصبحن في خطر شديد مما يهدد العقد الاجتماعي بينهن وبين الدولة وهو القائم على التسليم للدولة بالسلطة في مقابل الأمان والحماية فإذا انتفى ذلك الشرط انتفى هذا التسليم واضطرت النساء الى حماية أنفسهن بأنفسهن ولذلك على السلطات التوجه بقوة قانونيا وثقافيا واعلاميا لمواجهة وحصار هذا الخطر.. و حماية المواطنات كما يستحققن.
كما أن من يبرر او يشجع او يوافق أو يصادق على هتك اعراض النساء بدعوى لبسهن او اي دعوى أخرى هو محرض على هتك اعراض النساء ويجب ان يحاسب كما يحاسب اي محرض و مروج لخطابات التمييز و الكراهية و المشجعين على العنف...