مدحت بشاي
يظل الميلاد المجيد للسيد المسيح مناسبة فرح «فرح الملائكة بميلاده حيث انشدوا نشيدهم الخالد»: «المجد لله فى الأعالى. وعلى الأرض السلام. وفى الناس المسرة».. ودَعوا الرعاة أيضاً للاشتراك معهم فى الفرح، لأنه فرح لجميع الشعب. والعذراء فرحت. وعائلة زكريا الكاهن فرحت. ومازال العالم يفرح لأنه فرح ببدء عهد جديد، تظهر فيه مبادئ جديدة وقيم سامية عالية يقدمها السيد المسيح للعالم.. وظهرت فى عظته الشهيرة على الجبل، وفى سائر عظاته وتعاليمه، وفيما أودعه فى قلوب تلاميذه من تعليم.
يذكر قداسة البابا شنودة الثالث: «عاشت القديسة العذراء أطهر امرأة فى الوجود، والتى استحقت أن روح الله يحل عليها.. وقوة العلى تظللها.. والتى بشرها بميلاد ابنها: الملاك جبرائيل.. وكانت الوحيدة فى العالم التى ولدت ميلاداً بتولياً»، لقد جاء توقيت ميلاد المسيح فى عصر مظلم ليعطى رجاء بأن روح الله يعمل حتى فى العصر الخاطئ المبتعد عنه.. إن الفساد السائد فى ذلك الزمن لم يكن عقبة تمنع وجود الأبرار فيه.. كما أن فساد سادوم من قبل لم يمنع وجود رجل بار هو لوط. وفى كل جيل فاسد يستحق طوفاناً ليغرقه، لابد من وجود إنسان بار مثل نوح ليشهد للرب فيه، فالله لا يترك نفسه بلا شاهد.. وهكذا كان العصر الذى ولد فيه المسيح، كان روح الله يعمل - خاصة وسط مختاريه - لكى يمنحهم حياة النصرة على ذلك الجو.. ولكى يقيمهم شهودا له. فاستحقوا أن يروا ملائكة، وأن يتسلموا رسالات إلهية.
«لا تدينوا لئلا تدانوا، فإنكم بالدينونة التى بها تدينون تدانون، وبالكيل الذى تكيلون به يُكال لكم، وما بالك تنظر القذى الذى فى عين أخيك، ولا تفطن للخشبة التى فى عينك؟! «بتلك الآيات من الكتاب المقدس وغيرها، والتى تؤكد على الكثير من التعاليم السامية، قد أوحت إلى الأديب القصصى «عبدالحميد جودة السحار» أن يضع كتابه «المسيح عيسى بن مريم» منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، ويقول الطبيب أحمد زكى أبو شادى عن فحوى الكتاب أن من بين ما ضمنه «السحار» فى مستهل الفصل الثانى عشر منوهاً ببدء رسالة المسيح عليه السلام «الناصرة غارقة فى الصمت تطوف بها أحلام، راح الناس فى النوم، حتى نجوم السماء هجعت، فقد كانت ليلة لم يبزغ فيها نجم، وفى ذلك الصمت والجلال كانت مريم قائمة تصلى، فابنها خرج إلى يحيى بن زكريا الذى بعثه الله بشيراً بملكوت السموات، وانقضت أيام وليال وأسابيع ولم يرجع عيسى إليها، كان اليقين يملؤها أن أوان بعث ابنها قد آن، ولكن تلك الغيبة أقلقتها، إنها لم تفارقه منذ وضعته، وأنها لتذكر مرارة الأيام الثلاثة التى فقدته فيها وهو جالس فى الهيكل بين العلماء، وأنها لترجو أوبته ليعود إليها الاطمئنان، كانت العيون غافلة إلا عينى مريم فى بيتها الراقد فى تواضع عند أقدام التلال، وعينا عيسى وهو فوق الجبل قد تعلقت بالرجاء، وتوافدت إلى رأس عيسى الأفكار: إلى أين يذهب بعد أن بعثه الله رسولاً؟ إلى بنى إسرائيل؟ أيذهب إلى الناصرة تلك القرية المغمورة فى الجليل، وينطلق إلى حانوت النجار يدعو الناس منه إلى عبادة الله؟ أيقوم بين الناس داعياً إلى الهدى، وما قام بينهم واعظاً قبل الآن؟ ونبتت فى جوفه رهبة، ولكن ما كان له بعد أن أيده الله بروح القدس.. كل عام وقارئ الوفد ومصرنا بخير وسعادة.
Medhatbe9@gmail.com
كل عام وقارئ الوفد ومصرنا بخير وسعادة
نقلا عن الوفد