خالد منتصر
استعدت أمس، وأنا أتابع توابع التحرش بفتاة المنصورة'> التحرش بفتاة المنصورة، حواراً مهماً كنت قد أجريته مع د. هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، حول المرأة. كان الحوار عن وضع المرأة فى مصر'> المرأة فى مصر، ولماذا هذه الفجوة بين ما يحدث على قمة جبل الجليد الظاهر من احتفاء بالمرأة كوزيرة ومحافظة ونائبة برلمان... إلخ، وما يحدث فى القاع والشارع من عدوانية وتحرش وحرمان من حقوق تحت لافتة الدين والأخلاق، مثلما حدث من ظلم لها فى مناقشات الطلاق الشفوى وتعدد الزوجات، احتفاء فى القمة واختفاء فى القاع. أفكار مهمة تطرّق إليها الحوار، أعرض عليكم بعضاً منها: لا تظلموا النساء بترويج مفهوم أنهن يظلمن أنفسهن ويستلذذن بعبوديتهن، النساء مندوبات المجتمع فى حمل «باكيدج» القيم الفاسدة التى زُرعت فى أمخاخهن ووجدانهن، وعند أى تمرد منهن على تلك القيم يعاقبهن المجتمع المتربص أشد العقاب. النساء يُستخدمن لترويج فكرة عبوديتهن، فى الماضى كانت المرأة تُستخدم جارية محظية، الآن هى جارية فكرية. تسويق تعدد الزوجات بخرافة أن الرجال أكثر من النساء أو أنهم أكثر فحولة كلام فارغ وكذب فاجر، وفى إحدى دراسات د. هدى وجدت إحصائياً أنه مقابل كل بنت لم تتزوج هناك رجلان لم يتزوجا، إذن فالعنوسة رجالية أيضاً، ولا ترفعوا تلك الكلمة الشريرة «عانس» فى وجه كل بنت لتجريسها. تقسيم العمل حسب الجنس لعبة شريرة اخترعها الرجال، الشيف يعلمنا الطبيخ فى التليفزيون ويرضى بتلك المهنة المتعارف عليها أنها نسائية، ذلك لأن مقابلها أجر، أما العمل بدون أجر، طبيخ ونظافة وتربية أطفال... إلخ فلأنها بلا أجر فهى المهمة النسائية المقدسة للمرأة، فعندما يدخل نفس الشيف النجم إلى البيت يصرخ فى وجه زوجته «حضّرى لنا الغدا»!!.
هناك لعبة أخرى يلعبها المجتمع مع المرأة هى لعبة الاستدعاء ثم الطرد، «فى الحزن مدعية وفى الفرح منسية»، «اطلعى معانا تلاتين يونيو وتصدّرى المشهد، لكن بعد كده حنطلع لك الكارت الأصفر والأحمر من الكومودينو وندافع عن كل ما يقهرك إنسانياً وقانونياً وجنسياً»، المجتمع يصرخ للمرأة: «الحقينا»، ثم يعاقبها على أدائها لدورها. قال رفاعة الطهطاوى بعد عودته من باريس بلغته الممزوجة بالعامية: «الذى أتى باللخبطة أننا ربطنا فى مصر بين العفة والملبس»، انبهر الطهطاوى برجال فرنسا الذين يقسمون بشرف نسائهم!! تراجع الطهطاوى لصالح الحوينى. وصف قاسم أمين المرأة الريفية بأنها أكمل النساء عقلاً، فهى لم تكن مسكونة بهاجس الجسد، عادى جداً أن كانت تكشف ساقيها أثناء العمل أو تقوم برضاعة ابنها وسط المجتمع الرجالى بدون حرج أو إحساس بالإثم والخطيئة، حتى جاءت الرؤية الشركسية التى أوهمتها بأنها الجوهرة المصونة واللؤلؤة المكنونة وأن جسدها مصدر العار ومركز الخطيئة. المجتمع يفعل كل ما بوسعه أن يُمتع الرجل ويمنع المرأة من نفس المتعة، حتى فى الختان يصدّر ختان الذكر على أنه زيادة إحساس بالمتعة، أما ختانها فهو لانتقاص متعتها والحفاظ على عفتها.
صرخ الشيخ عبده البرتقالى قديماً أمام مجلس النواب رداً على دعوة محو الأمية التى تبناها الوفد: «لا تعلموهن الكتابة، حفّظوهن فقط سورة النور!!»، وعندما سئل عن السبب قال: «لو تعلمت المرأة الكتابة ستكتب خطابات غرامية!!»، ما زلنا حتى هذه اللحظة مع سيادة المزاج السلفى لمجتمعنا نعيش نفس الأجواء البرتقالية!!.
نقلا عن الوطن