محمد حسين يونس
و هكذا كان الهدف الدائم منذ 1948 .. حتي اليوم ..(( كيف ننافس الجار الإسرائيلي و نتغلب علية )).. سببا في أن ننحرف بمسارمجتمع كان من المفترض أن يتجه بعد سنين الإستعمار الممتدة لمئات العقود للتنمية و الديموقراطية و التحرر و العلم و حقوق الإنسان .. ليصبح لا صوت يعلو علي صوت المعركة .. و كيفية إخضاع الجيران بالقوة .. لتتخذ القيادة نفس ألإسلوب الذى إتبعه موسيلينيى و هتلر و ستالين في بدايات القرن العشرين و تكررنفس سيناريو صعود الفاشيستية و معاركها و سقوطها .
الفترة من يوليو 1952 حتي يونيو 1956 .. مثلت فترة إرتباك و تصفية حسابات بين ضباط الجيش المنقلبين أعادت للأذهان زمن عنف وصراع المماليك ..لقد كانت الغنائم الناتجة عن إزاحة الاقطاع و طرد الخواجات و اليهود كبيرة ومغرية و أدى التكالب عليها إلي تضارب إنتهي إلي إزاحة العديد منهم إما بالمحاكمة و السجن (علي أساس التأمر و الإنقلاب علي النظام الوليد ) أو بالاعتقال في فيلا زينب الوكيل لمحمد نجيب .. أو النفي خارج البلاد.. أو الالهاء بمنصب ثانوى مرموق
و هكذا إنتشر المنقلبون و غيرهم من الضباط العظام المستبعدين من القوات المسلحة .. ليتولوا مناصب الكبار سواء في الوزارة(خصوصا الخارجية ) أو المديريات ( المحافظات ) أو لإدارة المشاريع المستحدثة .. او الوحدات الاقتصادية و الخدمية ذات الوزن الممصرة .
و مع إنزياح أعداد متزايدة من الضباط بعيدا عن دوائر إتخاذ القرار كان الحكم المطلق الفردى يقترب أكثر و أكثربعد عام 1954 من البكباشي عبد الناصر...
خلال الصراع الذى لبس كل طرف فيه بردة الوطنية و الحرص علي تحقيق أماني الشعب ((في الإستقلال و التخلص من الأعداء الطبقيين و أدواتهم .. و تنمية المجتمع لتخفيض الفوارق بين الطبقات .. و إعداد جيش قوى وطني يحرس الحدود الشرقية )) ،كان الحوار مع الجماهير يتم عن طريق دفقات من القرارات غير المدروسة و التي تبدو أنها تهدف إلي كسب تأييد الشارع
أول هذه القرارات كان قانون الاصلاح الزراعي ( سبتمبر 52 ) و تعديلاته .. تلاه طرد الشركات الاجنبية التي تقدم الخدمات الاساسية (كهرباء و مياة و غاز و سكه حديد و تليفونات ) و إحلال الادارة المصرية مكانها .. ثم تغيير إسم ووظيفة وزارة المعارف لتصبح الوزارة المعنية بالتربية و التعليم
تطهير الاحزاب وحلها فيما عدا الإخوان المسلمين'> جماعة الإخوان المسلمين .. ثم الدستور المؤقت .. و صفقة الاسلحة التشيكي و إعادة بناء الجيش .. و السير في إتجاه بناء السد العالي .. و اتفاقية الجلاء.. و تحققه .. ثم الضربة العظمي تأميم قناة السويس التي تبعها عدوانا ثلاثيا أدى إحباطة إلي صعود نجم عبد الناصرو إلتفاف الشعب حوله كحامي حمي أهدافه و حارس أماله الذى أسقط رموزالقوى العظمي الإنجليزية و الفرنسية و مرغ أنف مستر إيدن في التراب
و بهتت الحياة السياسية المصرية في ظل الإنتصارات الإعلامية المدوية المدعومة بأغاني و أفراح الفنانين و الشعب .. و رغم أن هيئة التحريرأو مجلس قيادة الثورة لم يستطيعا أن يحلا مكان الوفد..إلا أن مثقفي الزمن الجديد .. قاموا بجهد يحسدوا عليه لتشوية كل ما كان قبل الانقلاب .. و التغني بإنجازات ما بعد 52 ليخلق الوضع المستجد تحديات مستجدة من نوع أخر
الفترة من 56 إلي 67 هي الزمن الوحيد الذى نعمت فيه مصر بإستقلال القرار دون تدخل من القوى العظمي أو ممثلي الاحتلال .. لقد كان بإستطاعتها العمل علي تحقيق الاهداف القومية الخاصة بإنشاء جيش و طني مدعوم بإقتصاد قوى قادر علي تزويده بإحتياجاته الاساسية.
في هذه الفترة بدأت نغمة (انجازات القائد).. التي لم تتوقف حتي اليوم .. إن كل الجهد الذى يقوم به المواطنون يصب في النهاية في وعاء (إنجازات الزعيم) .. الصناعات الحربية و السعي لإنتاج السيارة و الطائرة و الصاروخ و إنشاء مجمع الحديد و الصلب ليكون الاساس في تزويد الصناعات المستجدة الطموحة بالخامات المطلوبه..من إنجازات سيادته ...والفخر بانه في هذه الفترة كانت ملابس المصريين و القوات المسلحة تنتجها مصانعهم ... و أدوية المصريين والقوات المسلحة تنتج بأيدى الأبناء و تعليب المنتجات الزراعية وإعداد سجائر الضباط والجنود.. يتم علي أرض و بأيدى مصرية ..و برعاية الزعيم
نعم لقد كانت هناك حركة صناعية نشطه تعمل في المجال المدني وتخدم المجهود الحربي
إنه نفس المنهج الذى بني علية محمد علي النهضة الاولي لمصر في القرن التاسع عشر .. أى تنمية المجتمع ليصبح بكامله في خدمة طموحاته العسكرية ..أو بمعني أخر (جيش يسخر من أجله وطن يقوم بخدمته ) .. و ليس كما هو مفترض ( وطن له جيش يوجهه لينفذ خطط أمنه القومي ).
هل تغير هذا المنطق .. منذ ذلك الزمن حتي اليوم .. لم يتغير إلا في الفترة ما بين توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل .. و تفويض مبارك للجيش أن يقوم بحكم مصر . ( نكمل حديثنا باكر ) .