د. مينا بديع عبدالملك
هو أبوبكر محمد بن يحيى بن الصائغ، المعروف في التاريخ الإسلامى باسم «ابن باجة»، من مجددى القرن الخامس الهجرى وعرف بـ«أبى الفلسفة العقلانية العربية»، وكان أول المشتغلين من عرب الأندلس بالفلسفة المشرقية مثل فلسفة الفارابى وابن سينا، كما كان مولعًا بالموسيقى والموشحات، واشتغل بالسياسة والعلوم الطبيعية والفلك والرياضيات والطب، وله كتب في هذا المجال، منها «كتاب اختصار الحاوى للرازي»، و«كتاب في الأدوية»، وكتاب «كلام على شىء من كتاب الأدوية المفردة لجالينوس»، وفى النبات: «كلام على بعض كتاب النبات لأرسطو طاليس»، و«شرح كتاب السماع الطبيعى لأرسطو طاليس»، و«قول على بعض كتاب الآثار العلوية لأرسطو طاليس»، ونلاحظ تلك العناية الفائقة بكتابات أرسطو وشرحها، فشرح جزءًا من كتاب «الكون والفساد»، و«تاريخ الحيوان والنبات»،
في 8 سبتمبر 1872م، بمدينة الإسكندرية وُلد عمر طوسون، وكان والده الأمير محمد طوسون باشا، وكان جده محمد سعيد باشا والى مصر نجل محمد على باشا «مؤسس مصر الحديثة»، أما والدته فكانت الأميرة فاطمة إسماعيل. توفى والده وهو في الرابعة من عمره، فربته جدته لأبيه وأشرفت على تعليمه، فدرس العلوم الأساسية تحت إشراف مدرسين متخصصين في قصر والده. وعندما بلغ سن الشباب سافر إلى سويسرا، وهناك أكمل تعليمه في العلوم التجارية واللغات. ثم ذهب إلى إنجلترا وفرنسا حيث شاهد التقدم في النواحى الاجتماعية والعلمية والصناعية والزراعية، وذلك قبل عودته إلى مصر. أتقن– كتابةً وقراءةً– اللغات التركية والعربية والإنجليزية والفرنسية بطلاقة، كما كان يجيد رفع المسح المعمارى. كان مولعاً بالخيل وركوب الخيل، وساعد على إنشاء العديد من مضامير السباق والنوادى التي من بينها نادى سبورتنج بالإسكندرية الذي أفتُتح رسمياً في 10 سبتمبر 1890 وأصبح رئيساً له حتى وفاته. ورث عن أبيه ثروة طائلة، وبعد عودته من الخارج تفرغ لإدارة أملاكه. كانت هذه الثروة كفيلة بأن تضمن له عيشة رغدة، واستمتاعاً بمباهج الحياة دون تعب، ولكنه لم يكن من هذا النوع من البشر الذي يركن إلى الراحة والاسترخاء، بل كان من النوع الذي يجد المُتعة في العمل النافع الجاد. كان يُعتبر أباً لكل من كان يعمل لديه أو يعيش على أرضه، ووفر لهم الرعاية الطبية ببناء مستشفى في كل دائرة، وخصص لكل عائلة جاموسة للانتفاع بلبنها، ولكل عائلة عدداً من أشجار النخيل للاستفادة ببلحها. أعتنى بالمدارس في دوائره، حيث كانت المدارس الابتدائية والكتب مُتاحة بالمجان للأطفال، وكان من يتفوق منهم يتم تعليمه على حساب الأمير في المدارس العُليا، وبنى المساجد في دوائره. كان هو المسؤول الذي نفذ بناء مقام «أبى الدرداء» في الإسكندرية في منطقة كرموز. كما كان هو المتبرع الأكبر لبناء استاد الإسكندرية الرياضى. تبرع لإنشاء المدارس بالإسكندرية التي خصص لها بعض أملاكه، وتبرع بفيلات لإنشاء المدارس، وفُتحت كلية الآداب جامعة الإسكندرية في أحد قصوره.
من منطلق وطنيته شارك في الحياة السياسية مشاركة فعالة، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى دعا إلى تشكيل وفد مصرى يتحدث باسم مصر في مؤتمر فرساى المنعقد في 11 نوفمبر 1918 للمطالبة باستقلال مصر من الاحتلال البريطانى، دون النظر إلى حزب أو جماعة سياسية، وقف إلى جانب ثورة 1919 وتحول قصره بالإسكندرية إلى مركز للعمل الوطنى.
يُعد عمر طوسون'> الأمير عمر طوسون من أكثر المصريين في العصر الحديث مشاركة في أعمال الخير والبر. فحين تعثرت الجمعية الخيرية الإسلامية في ميزانيتها استجاب الأمير لدعوة أهل الخير للتبرع بالمال لتتمكن الجمعية من استكمال رسالتها فتبرع بمبلغ 5000 جنيه في سنة 1920. علم أيضاً ما تعانيه الجمعية الخيرية القبطية بالقاهرة من أزمة مالية طاحنة، فتبرع بمبلغ ألف جنيه مصرى، ودعا الأقباط إلى الاكتتاب. وعند زيارته للبابا كيرلس الخامس (1874 – 1927) البطريرك 112 في الدار البطريركية بالقاهرة، تبرع بمبلغ من المال لمدرستى البطريركية والمشغل البطرسى، يصرف من ريعه على الطلاب المتفوقين من المدرستين. اهتم باستكشاف منطقة وادى النطرون عام 1928 حتى تمكن في أوائل الثلاثينات من العثور على الأديرة المندثرة الواقعة على خط رحلة العائلة المقدسة، والذى كان أكبر تجمع رهبانى في العالم في القرن الرابع الميلادى، وتمكن من الكشف عن 29 ديراً مندثراً لم يتبق منها سوى الأديرة الأربعة الباقية حالياً بمنطقة وادى النطرون. وفى عام 1931 أصدر كتابه عن وادى النطرون باللغة الفرنسية ثم في عام 1935 أصدر النسخة العربية من هذا الكتاب الرائع. ومن بين مؤلفاته الرائعة كتاب البعثات العلمية في عهد محمد على عام 1926، كتاب مصر والسودان عام 1927، الآثار المغمورة في أبى قير، الصحراء الليبية– كيليا وأديرتها، الإسكندرية في عام 1868م. وفى عام 1933 كتب وصيته، أوصى فيها بمكتبته، التي حوت أكثر من 8000 كتاب، وتبرع بكتبه التاريخية والأثرية للمتحف اليونانى الرومانى في الإسكندرية، وفى 26 يناير 1944 توفى عمر طوسون'> الأمير عمر طوسون وكان قد قرر قبل وفاته أن تبدأ جنازته من الميدان المواجه لمحطة مصر للقطارات في الإسكندرية، حتى لا يضطر المُعزون للسير مسافات طويلة، وبدأت الجنازة من محطة مصر كما أراد ولف العلم المصرى نعشه، الذي حمله ضباط في البحرية المصرية، وعند وصول الموكب إلى ضريح العائلة الملكى، في شارع النبى دانيال، هتفت الجماهير: (فى ذمة الله يا عمر. الأمة تودعك يا أمير الإسكندرية) وحسب وصيته طلب عدم إعلان حداد رسمى في حال وفاته، حتى لا يتسبب في أي إزعاج لأحد، ونفذ له الملك فاروق وصيته، مقتصراً على تشييع الجثمان الذي شارك فيه الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة. ترك عمر طوسون'> الأمير عمر طوسون ذكرى طيبة وخالدة في نفوس المصريين جميعاً، والسكندريين بصفة خاصة.
نقلا عن المصري اليوم