عقد قطاع شؤون الإنتاج الثقافى، برئاسة المخرج خالد جلال، لقاءه الشهرى لملتقى الهناجر الثقافى، تحت عنوان «القوى الناعمة ودورها المجتمعى» من خلال الإدارة العامة للنشاط الثقافى والفنى بالقطاع، أمس الأول بمركز الهناجر للفنون، تحت إشراف الفنان محمد دسوقى مدير المركز تحدث في الملتقى د. صلاح فضل أستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس، ود. زين نصار أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون، ود. أشرف عبدالرحمن الناقد الفنى والأستاذ بمعهد النقد الفنى، والأديبة والروائية د. لوتس عبدالكريم، وأدار اللقاء الناقدة د. ناهد عبدالحميد مدير ومؤسس الملتقى.
وقالت د. ناهد عبدالحميد، إن القوى الناعمة موضوع لا يمكن أن يحتويه ملتقى واحد، ولكن سنحاول تغطية الموضوع بقدر الإمكان، فالقوى الناعمة برغم حداثة هذا المفهوم نسبيا إلا أنه أصبح من المفاهيم الواسعة الانتشار والاستخدام، وأول من تحدث عن هذا المصطلح هو «جوزيف ناى»، وهو ضابط متقاعد بالقوات الأمريكية وكان يعتبر القوى الناعمة أحد أهم الأسلحة السياسية للدول، من خلالها تستطيع تحقيق أهدافها، وأضافت هذا من الجانب النظرى، ولكن من الجانب العملى فالمصريون هم أول من استخدموا هذه القوى الناعمة عمليا وتطبيقيا منذ عام 1725 قبل الميلاد، فالقوى الناعمة استخدمت على مر التاريخ، وكانت حاضرة وفاعلة في كل الأحداث الوطنية المصرية، اعتبارا من طرد الهكسوس من البلاد مرورا بثورة عرابى وثورة 1919 وثورة 1952 وانتصارات أكتوبر وغيرها، ولم تكن القوى الناعمة المصرية داعمة للأحداث الوطنية في مصر فقط بل لكل الشعوب العربية أيضا، فمصر كانت ومازالت هي القلب النابض والعقل الواعى والقوة المعنوية الهائلة لكل الشعوب العربية، فقوة مصر الناعمة هي التي ساعدت على تماسك البنيان الإنسانى للشعوب العربية.
وقال د. صلاح فضل: «إن الملتقى بشموله على مختلف الفنون هو مدخل ناعم للقوى الناعمة، وإن كان المسمى أطلق حديثا، لكننا كنا نستخدمه كثيرا بأشكال مختلفة في ثقافتنا العربية، فدائما كنا نميز بين المادة والروح بين المحسوس والمجرد، والوضع المصرى الراهن يوصلنا إلى فكرة وضع خريطة بسيطة للطاقات الإنسانية، وهى تنقسم إلى ثلاثة أقسام روحية وعقلية علمية ونفسية روحية، والروحية هي أقدم وأهم الطاقات التي انبثقت من مصر، تمثلت في جانبين: الأديان السماوية وغير السماوية مثل البوذية وغيرها، وتظل الطاقة روحية إلا أن تتحول عند بعض الشعوب أو في مرحلة تاريخية إلى طاقة عنف وغضب، عندئذ تفقد طابعها الروحى المتميز، أما طاقة العقل فهى تولد العلم، والعلوم نوعان الأول إنسانى وهى تغطى الجانب الثقافى والثانية هي العلوم الطبيعة تولدت منها في العصر الحديث الطاقة الذرية والطاقة الشمسية، أما الطاقة الثالثة هي طاقة الآداب والفنون، هذه الطاقات الثلاث هي التي تتوازن بها شخصية الإنسان، فالميل لطاقة دون الاثنين الآخرين، يختل توازن الطاقة القوى الناعمة، فالقوى الناعمة تعتمد في الدرجة الأولى على التوازن بين هذه الطاقات الثلاث، ويمكننا مواجهة التطرف بإحداث هذا التوازن».
وأشار د. زين نصار إلى أننا في مصر نمتلك كنزا كبيرا من 150 سنة، هو الموسيقى المسجلة على الاسطوانات، فهناك شخصيات فنية صنعت الوجدان والتاريخ، مثل سيد درويش الذي غير كثيرا في مسار الفن، فالغناء سلاح من أخطر ما يمكن، فمن السهل جدا أن يحفظ الناس أي لحن مهما كان مضمونه، ولهذا وجب علينا الاهتمام بالنصوص الموسيقية، ويجب أن يكون هناك وعى كى نستطيع رفع وعى الناس وتوجيههم بشكل صحيح عن طريق الفن، يجب أن تحرص أجهزه الإعلام على اختيار النص، فما تغنت به أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب من أغان موسيقية كانت تشحن الهمم وتلهب القلوب، لافتا إلى أهمية وجود الطابع العربى في اختيار الموسيقى، ويمكن الاستعانة بأحد الأشكال الغربية، لكن لا يصح أن تكون هي الأساس، يجب أن نحرص على توصيل هذا التراث للأجيال المعاصرة.
من جانبه أجاب الكاتب الصحفى محمود مسلم، ردا على سؤال من مدير الملتقى حول ما مرت به البلاد من عواصف وبراثن الإرهاب التي اتخذت من الدين ستارا ومن العقيدة شعارا لبث الأفكار الظلامية، وكيف يرى المواجهة الفكرية والثقافية وذلك الفكر المعادى للدولة؟ وقال «مسلم» إن تأثير القوى الناعمة يوازى القوى العسكرية، وللأسف كان هناك فترات لم نهتم بالقوى الناعمة فيها، فلم يعد الفن والرياضة موهبة فقط ولكن أيضا إدارة، فلكى نستطيع تنمية المواهب مازال لدينا الكثير لنبذله للعمل على تفعيل دور أكبر للقوى الناعمة لزيادة الوعى لدى المجتمع.
وتحدث د. أشرف عبدالرحمن، وقال إنه ثبت علميا أن المخ يلتقط الموسيقى أسرع من الكلمات، ومحمد على باشا قام ببناء 5 مدارس لتعليم الموسيقى العسكرية، وجاء بمدرسين من إيطاليا وفرنسا، تلاه الخديو إسماعيل الذي أنشأ دار الأوبرا المصرية، وكانت تمثل قوى ناعمة بمصر، وفى ذلك الوقت كانت مصر مركزا للثقافة والفن على مستوى العالم، ثم أتت ثورت 19 وكان سيد درويش بمثابة السوشيال ميديا بأيامنا هذه، حيث قام بمحاربة الفتن الطائفية عن طريق الفن، وأثناء الهزيمة لم يترك الفنانون فنهم فتغنى عبدالحليم بـ«أحلف بسماها»، وكان لمثل تلك الأغانى تأثير كبير على الوطن العربى.