سحر الجعارة
قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن بعض الناس يأخذ بعض الأحاديث النبوية من وجه واحد، كقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإنى مُبَاهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، منوهاً بأنه حديث صحيح.
وأوضح «جمعة» خلال إحدى خطبه، وعنوانها: «عوامل القوة فى بناء الدول»، أن الكثرة المقصودة فيه هى الكثرة القوية المنتجة، التى تملك كلمتها وأمرها، وطعامها ودواءها وكساءها، أما إن خرجت عن ذلك، فكانت كثرة جاهلة أو عالة، تصبح تلك الكثرة التى قال عنها النبى، صلى الله عليه وسلم: «كثرة كغثاء السيل، لا تضر عدواً ولا تنفع صديقاً»!.
ورغم ذلك، فإن البعض يصر على كثرة الإنجاب بزعم أنهم يأتون «ورزقهم معهم»، بالقطع «لا حيلة فى الرزق»، لكن أولاً ثبت علمياً أن كثرة الإنجاب من أهم عوامل الوفاة المبكرة للمرأة، ثانياً نسبة المتسرّبين من التعليم -حسب الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء- تصل إلى نحو مليون و122 ألف طفل عام 2018 متسرب أو غير ملتحق بالتعليم، وارتفع عدد الأفراد الأميين إلى 18 مليوناً و434 ألف أمى.. والأمية وحدها كفيلة بهدم أى دولة عريقة.
فماذا يفعل الآباء بخمسة أطفال أو عشرة ينجبونهم دون أن تكون حالتهم الاقتصادية تسمح لهم بمستوى آدمى فى المسكن والطعام والملبس والتعليم بالقطع؟!.
هؤلاء تراهم فى الريف يعملون فى الحقول بأجور تعود فى الآخر إلى رب الأسرة، وبعدما يصبحون فتياناً تراهم غرقى على شواطئ أوروبا أو محترفين فى عالم الجريمة.. وفى أحسن الأحوال ستجد هؤلاء من حملة المؤهلات المتوسطة، الذين يقودون «التوك توك أو الميكروباص» دون رخصة قيادة!.
إذاً ما نعتبره «قوة بشرية» لا يوظّف لخدمة الإنسانية ولإقامة دولة قوية كما يحدث فى الصين مثلاً (وسوف أعود إليها لاحقاً)، إنهم «عالة» على المجتمع، نحو 18 مليون ونصف المليون أمى جاهل معناه قنبلة موقوتة وخنجر مسموم فى قلب الوطن.. أفترض أن مليوناً فقط التحقوا بالتنظيمات الإرهابية، ومليوناً آخرين احترفوا الجريمة، ومليوناً أدمنوا المخدرات وتحرشوا بالنساء.. إلخ ملف الجرائم المترتبة على الجهل.. وتصور شكل المجتمع بعد ذلك!.
أما عمالة الأطفال فى مصر فهى إجرام فى وجه الإنسانية، واغتيال لروح الطفولة، ورغم حظر الدستور تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسى، ومناشدة المجلس القومى للأمومة والطفولة للمواطنين الإبلاغ عن حالات الأطفال العاملين عبر رقم «16000»، وهو خط نجدة الطفل، فإن تلك الظاهرة تتفاقم لتُدمر جيل المستقبل.
وكشف المسح القومى لعمل الأطفال فى مصر، الذى أجراه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء والبرنامج الدولى للقضاء على عمل الأطفال، عن وجود 1.6 مليون طفل أعمارهم بين الـ12 و17 سنة يعملون، ويمثلون 9.3% من الأطفال «طفل من 10» مدفوعين إلى العمل.
هؤلاء «جريمة تسير على قدمين» لا تكتمل إلا بظاهرة «أطفال الشوارع».. وكل هذه المآسى المفجعة نتيجة كثرة الإنجاب «والتباهى بالنسل»، ثم ترك نسلهم ضعيفاً هزيلاً عاجزاً عن السير فى الحياة.
وقد لفت انتباهى فى لقاء الدكتور «مصطفى مدبولى»، رئيس الوزراء، مع رؤساء تحرير الصحف المصرية وبعض الكتاب، قوله: «إن مشكلة الانفجار السكانى ارتبطت فى السبعينات والثمانينات بالدين، وتفاقمت بشكل كبير، وأثرت على جميع مناحى الحياة»، مؤكداً أن «الحكومة قررت عدم ضم الطفل الثالث لدعم بطاقات التموين فى المواليد الجدد الذين لم ينضموا، كما سيجرى منع ضم أكثر من 3 أطفال فى برنامج تكافل وكرامة».
وأوضح رئيس الوزراء: أن مسئولين أوروبيين قالوا له أكثر من مرة «كيف تعيشون مع مثل هذه الزيادة، خصوصاً أن هناك نحو 2٫4 مليون شخص يضافون إلى تعداد سكان مصر كل عام، وهو ما يساوى تعداد دول؟!».
وأنا أقولى لمعالى دولة الرئيس إنه لا يكفى حرمان الطفل الثالث «فى الأسر الحديثة طبعاً» من بطاقات التموين أو معاش «تكافل وكرامة».. يمكن أيضاً منع الطفل الثالث من العمل بالدولة، أو الحصول على شقق مدعمة من الحكومة.. فبدون إجراءات رادعة لن يتوقف الانفجار السكانى.
لقد زُرت الصين مرتين، ولأنها دولة موحّدة متعددة القوميات وتتكون من 56 قومية، معظمها لا تنتمى للديانات الإبراهيمية، كان قرارها بحرمان الطفل الثانى من كل ما تقدّمه الدول «الشيوعية» لمواطنيها، مع السماح بالإجهاض إذا أثبت السونار أن الجنين لا يلبى رغبة الوالدين «ذكر أو أنثى»، وهذا مؤثم قطعاً فى شرعنا.. لكن إذا قررت تقييم «القوة البشرية» فيها.. فقد كنا نخرج من الفندق فى الثامنة صباحاً، فنرى الملايين على الطرق، فى طريقهم إلى المزارع والمصانع.. ثم يختفى البشر من الشوارع، لا تراهم إلا فى طريق العودة على دراجاتهم.
ولأن «العمالة» فى الصين رخيصة، قررت كبريات الشركات العالمية التى تقدم سلعاً «سينيه»، أن تقيم مصانعها هناك مع وضع «مراقب جودة».. وتم تعديل جزئى فى الدستور الحديدى للسماح بذلك.
لقد حولت الصين «القوى البشرية» إلى قنبلة نووية، واستطاعت أن تغزو العالم بمنتجاتها، وأن تغرق الأسواق الأمريكية بها.. لكننا غارقون فى الجهل والأمية وظاهرة «الواد بلية».. ونتوهم أننا أمة مسلمة تصلح لأن يتباهى بها نبيها.. ارحمونا من تأويلاتكم المحرّفة للسنة المحمدية، وانظروا إلى الإنجاب نظرة إنسانية بلا عنصرية أو تمييز.
فتشوا عن ضمائركم قليلاً!.
نقلا عن الوطن