سليمان شفيق
لماذا رفضت الكنيسة القبطية الارثوزكسية الاستعانة بالخارج
ارتبطت المسيحية والسياسة تاريخيًا نتيجة تأثير المسيحية'>العقيدة المسيحية التي تستند إلى تلك العقيدة ، على الحضارة الغربية بمختلف فروعها. مما أدى لظهور أحزاب سياسية وحركات اجتماعية تنادي بمبادئ الإيمان المسيحي، كون المسيحية الغربية تأثرت بالحضارة الاغريقية وفلسفاتها في حين ان المسيحية الشرقية تأثرت بحضارات مختلفة .
من عصر الاضطهاد إلى الديانة الرسمية:
وفي جدل التناقض بين الحضارتين ، ومحاولة المسيحية الغربية فرض سيطرتها علي المسيحية الشرقية خاصة كرسي الاسكندرية العظيم ،واجه المسيحيون الاقباط اضطهادات شتى من قبل الإمبراطورية الرومانية وذلك من عام 58 حتى 312 بسبب رفضهم الاعتراف بعبادة الأباطرة.
أنهى مرسوم الإمبراطور قسطنطين المسمى في التاريخ باسم مرسوم ميلانو عام 313 مرحلة الاضطهادات وشكل اعتناقه للمسيحية نقطة تحول هامة في التاريخ. وبعد المرسوم المذكور سنّ قوانين وسياسات بما يتفق مع المبادئ المسيحية؛ فجعل يوم الأحد عطلة رسميّة بالنسبة للمجتمع الروماني، وشرع في بناء الكنائس قبل أن يعلن المسيحية دينًا للإمبراطورية ويترأس مجمع نيقية عام325 .
ومع ازدياد السكان والثروة في الامبراطورية الرومانية الشرقية أدى إلى أنشأ قسطنطين مدينة القسطنطينية لتكون عاصمة للامبراطورية البيزنطية، وغدت مركز حضاري سيّما بالنسبة للمسيحية الشرقية ومقر بطريركية القسطنطينية المسكونية وبالتالي ظهرت منافسة سياسية بين بطريرك القسطنطينية والبابا في روما حول زعامة العالم المسيحي، وكان حصار روما من قبل القوط الغربيين والوندال في عام 410 وفي عام 455 قد صعّد من أجواء المنافسة. على الرغم من التواصل الثقافي والتبادل بين الشقيّن الشرقي والغربي للإمبراطورية الرومانية، فإن تاريخ المسيحية وكل من المسيحية الشرقية والغربية أخذت مسار ثقافي متباين، مع الانشقاق العظيم بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية عام1054 .
وقد تجلى تحول المسيحية من طائفة هامشية، إلى قوة رئيسية داخل الإمبراطورية الرومانية من تأثير إمبروسيوس أسقف ميلانو. وهو أحد معلمي الكنيسة الجامعة وواحد من أكثر الشخصيات الكنسية تأثيرًا في القرن الرابع، أصبح إمبروسيوس لاعب في السياسة الإمبراطورية، ويتودد لنفوذه المتنافسون على العرش الامبراطوري. عندما أمر الامبراطور ثيودوسيوس الأول بمذبحة عقابية ضد الآلاف من المواطنين في سالونيك، منعه إمبروسيوس من دخول الكنيسة وقبول سر القربان حتى يقدم توبة وكفارة عمليّة وعلنيّة ويصلح ما أمكن من آثار هذه المذابح. وهو ما كان بداية سيطرة الكنيسة على الحياة السياسية في أوروبا. عام 543 قام الامبراطور جستينيان الأول بجمع القوانين بما يتلائم مع تعاليم المسيحية والتي دعيت بقانون جستينيان تم ذلك بمساعدة من رجال دين مسيحيين وقد عُرف عن هذه المجموعة أنها من أكبر الإسهامات الرومانية في مجال الحضارة، هيمنت هذه القوانين على العالم الأرثوذكسي لعدة قرون، ولا تزال الكنائس المسيحية الشرقية تُطبق قانون جستنيان في مسائل الأحوال الشخصية.
في عام 1054 وبعد قرون من العلاقات المتوترة، وقع الانشقاق العظيم وقسم العالم المسيحي بين الكنيسة الكاثوليكية وتركزت في روما وسادت في الغرب، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والتي تركزت في القسطنطينية، عاصمة الامبراطورية البيزنطية. وكان نظام الحكم في القسطنطينية مركز الأرثوذكسية الشرقية، نظام ثنائي في قيادة الكنيسة بين الاباطرة البيزنطيين
ارتبطت أيضًا بعض الكنائس المسيحية الشرقية في السياسية، فمثلًا حصلت كل من السلالة السليمانية في إثيوبيا وأسرة بجرتيوني في جورجيا على الشرعية من كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإثيوبية والكنيسة الجورجية الرسولية الأرثوذكسية، باعتبارهم من سلالة الملك داود وسليمان، فأرتبطت الكنيسة والدولة ارتباطًا وثيقًا في كل من إثيوبيا وجورجيا.
وبين البطاركة، فوظيفة الإمبراطور البيزنطي حماية الكنيسة الشرقية وإدارة إدارتها بواسطة ترأس المجامع المسكونية وتعيين البطاركة وتحديد الحدود الإقليمية لولايتها. ولا يستطيع بطريرك القسطنطينية أن تولي منصبه إذا لم يحصل على موافقة الامبراطور. وقد عارض بشدة عدد من آباء الكنيسة الشرقيين مثل يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطينية وأثناسيوس بطريرك الإسكندرية، سيطرة الأباطرة البيزنطيين على الكنيسة الشرقية.
من عصر النهضة إلى اليوم
كانت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية مؤسسة قوية في الامبراطورية الروسية، وأرتبطت بالأسرة الحاكمة، وشكّل النفوذ المتزايد للقس غريغوري راسبوتين أحد الأسباب التي سببت قيام الثورة الروسية عام 1917. أدى قيام الشيوعية سنة 1917 إلى تأثير سلبي على الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية،. وقادت الكنيسة الكاثوليكية، خلال حبرية يوحنا بولس الثاني معارضة عالمية ضد الشيوعية انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي.
لعبت المسيحيّة دورًا هامًا في إحياء الأفكار الوطنية ودفع التطور في دول الشرق الأقصى، مثلًا لعبت الكنيسة المشيخية في تايوان دورًا سياسيًا هامًا من خلال دعهما للحركة الديمقراطية في تايوان وإنتمت العديد من العائلات السياسيّة العريقة في تايوان للكنيسة المشيخية. ولعبت المدارس المسيحية في كوريا الجنوبية دورًا بارز في تقوية الوعي الوطني بين الشعب الكوري.
والمسيحية السياسية لازالت تلعب دور سياسيا مؤثر في المجتمعات الغربية ، مثلا امارة موناكو، وهي من الدول التي لا تزال تتخذ المسيحية دين رسمي.
وفي الولايات المتحدة مثلًا استطاع اليمين الانجيلي ، وكان مسؤولاً عن تحديد رئيس الجمهورية منذ جيمي كارتر عام 1976، حتى جورج بوش الابن.
وسيطر اليمين الانجيلي منذ سبعينات القرن الماضي السيطرة على الحزب الجمهوري
وفي أمريكا اللاتينية من خلال لاهوت التحرير، ناضلت الكنيسة الكاثوليكية من أجل العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والديكتاتورية والدفاع عن المظلومين.
اما في اوربا كذلك فقد كان للكنيسة الكاثوليكية نفوذ سياسي الديموقراطية المسيحية وهي أحزاب ذات خلفية كاثوليكية، تلعب دور فعال في السياسة الأوروبية وقد نشأت أولًا في بلجيكا وسرعان ما انتشرت في كافة أرجاء أوروبا، ولعل أبرز الأحزاب المسيحية هو الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا الذي يشترك في الائتلاف الحاكم مع الحزب الديمقراطي الحر منذ عام 2009. ومن جماعات الضغط السياسي المسيحية في الاتحاد واجتماعي وثقافي قوي في كيبك في كندا حتى عام 1960 مع بداية الثورة الهادئة. أما في قبرص فقد ترأس المطران مكاريوس الثالث رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية كأول رئيس لقبرص المستقلة من عام 1955 وحتى وفاته عام 1977. وفي اليابان ترأس سبعة مسيحيين منصب رئيس وزراء اليابان مما يعكس تأثيرهم على المجتمع.
اليوم فإن غالِبيّة الدول التي يشكل فيها المسيحيون أغلبية، تَتَّبَنّى النظام العلماني حيث يتم دعم الفكرة من تعاليم الكتاب المقدس: «أعْطُوُا إِذَاً مَا لِقَيْصَرْ لِقَيْصَرْ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ»، ومع ذلك فالديانة المسيحية هي دين الدولة في عدة بلدان حيث أنّ المسيحية هو المعتقد الديني الرسمي الذي تتخذه هذه الدول عادةً في دساتيرها بشكل رسميّ وهذه الدول: الأرجنتين وموناكو حيث المذهب السائد هو الكاثوليكية، وأرمينيا حيث المذهب السائد هو الأرثوذكسية المشرقية الأرمنية واليونان حيث المذهب السائد هو الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، وع حية مُحَددّة.دد آخر من الدول.
ولكن الكنيسة الارثوزكسية المصرية انفردت عن سائر كنائس الشرق بكونها كنيسة وطنية رافضة لاي محاولة الانضمام الي اي تجمع مسيحي يفرض عليها الاعتماد علي قوي خارجية ، العض يفسر ذلك بالانشقاق الذي حدث في مجمع خلقودنية ، وربما يكون ذلك صحيحا ولكن الاساس ان الكنيسة القبطية الارثوزكسية تري في ماهيتها انها الكنيسة الرسولية الاولي والاساسية في الشرق ، كما ان الاضطهادات المتوالية والتي دفعت فيها الكنيسة نصف شعبها تقريبا جعلت "الحرومات" معمدة بالدم ، واختلطت ليتورجيتها بدماء الشهداء وجراح المعترفين وانتقل ذلك الي التقويم والزرع وكل سبل الحياة ، الامر الذي جهل الوطنية المصرية تؤام ملتصق مع العقيدة ، وتوحد فيهما الارض والسماء .
كل ذلك ادي الي رفض تلك الكنيسة لاي تدخل خارجي حتي لو ظهر كأنه يدافع عن مصالحها
هكذا استبدلت الكنيسة القبطية الارثوزكسية الدور السياسي بالدور الوطني ، وفضلت التبعية للداخل عن التبعية للخارج لما عانتة من اضطهادات من الخارج ومن ثم ربطت هوية الكنيسة القبطية بين لاهوت الارض ولاهوت العقيدة .