الأقباط متحدون | سَنُحب رغم أُنوفكم
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٨:١٧ | الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢ | ٩ أمشير ١٧٢٨ ش | العدد ٢٦٧٣ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

سَنُحب رغم أُنوفكم

الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم الكاتبة / حنان بديع ساويرس
 
فى الأيام القليلة الماضية وتحديداً قبل عيد الحب بأسابيع بدأت تنتشر عبر صفحات الفيسبوك دعوات تنتمى للتيار السلفى تُطالب بإلغاء عيد الحب بدعوى أنه تقليد للغرب ومأخوذ عن "اليهود والنصارى" وأنه "بدعة" وقد أختلفت هذه التيارات المُتزمتة مع د .على جمعه مُفتى الجمهورية عندما أعلن مُنذ سنوات "شرعية الإحتفال بعيد الحب "، لذا لم يروق هذا الرأى لبعض المُتشددين ولم يكتفوا بالإعتراض على هذه الفتوة  فحسب بل نسبوا وجود "عيد الحب " بمصر للنظام السابق فقد قال أحد عُلماء الجبهة السلفية بمصر بالحرف الواحد لأحد المواقع الإليكترونية " إن زمن الفساد والطُغيان إنتهى بما يحمله من مُخالفات لشرع الله وإنكسرت عصا أمن الدولة الغليظة التى كانت تجعل العلماء يحلون ما حرم الله تعالى وانهم يُخالفون شرع الله لإرضاء النظام الفاسد ومن هذه المُخالفات والبدع مايحدث كل عام فى 14 فبراير ، فهو ليس عيداً للحب بل هو عيد للسفور والفجور يلوث القلوب والعقول وفيه تقع المُنكرات ويمثل تقليد أعمى لليهود والنصارى" ونشرت إحدى القنوات الفضائية خبر يقول " الدعوة السلفية تُطارد طلاب المنصورة لمنعهم من الإحتفال بالفلانتين" كما أقترن هذا الخبر بصور لقلب كبير مُمَزق من المُنتصف إلى شطرين يحمله الشباب ولكنهم قاموا بتوصيله بالخيط مرة آخرى ويرفعونه على هذا الشكل وكأنهم يعلنون جهراً فى تحدى منهم لرافضى الحب أننا  "سَنُحب رغم أُنوفكم" 
* فغريب أن يُنسب الإحتفال بعيد الحب " لليهود والنصارى" على حد تعبير هؤلاء المُتعصبين ، وكأنه سُبة ورغم أن المَقصِد من زعم هؤلاء فى أن عيد الحب  يخُص اليهود والأقباط  فقط  هو أن يستثيروا مشاعر البعض إلا أنه إن دل على شئ لا يدل إلا على أن الحُب سِمة من سِمات المسيحية  "فالله محبة" والسيد المسيح نادى به قائلاً " أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا " بل قد أوصانا حتى على أعدائنا موصياً أيانا بمحبتهم والصلاة من أجلهم ومُباركتهم حتى فى حالة لعنتهم لنا ، فقد أعلن هذا السلفى  وبدون قصداٍ أن المحبة  "صناعة مسيحية"  ولمزيد من إثارة مشاعر البسطاء ذكر أنه يخص اليهود أيضاً ، لأننا نعلم أن كلمة السر التى تطغى على قلوب البسطاء والمُتعصبين فى مصر أن تقول لهم أن هذا يهودى أو هذا مسيحى ،وبعدها يصيرون كالخاتم فى أصبع العابث بعقولهم أو كالعجينة اللينة التى يُشكلها حسب أغراضه !!!
 
* ولكن بعد ثورة يناير تم إضافة بند جديد فى مسيرة الإقناع بكل ما هو ضد المنطق والعقل ولم يُصبح السلاح الوحيد لترويض عقول البعض ولا سيما الذين ينتمون للفكر الليبرالى المدنى والذين لا يقبلون المُزايدة بدينهم ويرفضون فكرة الزج بالدين فى كل الأمور الحياتية فهؤلاء ربما يصلح معهم " عفريت النظام السابق" فيُقال لهم أن النظام السابق الطاغية ، الفاسد هو من نشر المفاسد فقد أجبر هذا النظام العُلماء على قول فتاوى ضد شرع الله وأن جهاز أمن الدولة هو الذى كان يحث المصريين على الإحتفال بعيد الحب !! بمعنى أن النظام الفاسد السابق وجهاز أمن الدولة التابع له هو من نشر "الحب" 
فإذا كان النظام السابق هو من نشر الحب والإحتفال بعيده إذاً بهذا نكون قد وجدنا ميزة للنظام السابق تُحتسب له من ضمن حسناته !!!
 
والغريب أنه يعتبر أن من طُغيان النظام السابق وفساده هو إستمراره بالإحتفال بهذا العيد فلا أدرى هل كان يُريد أن يأمر النظام السابق بأن يكره كل مواطن أخيه المواطن ومن يجدونه يُحِب يحكمون عليه بالإعدام شنقاً لأنه أقترف جريمة شنعاء و أحبَ !!!
                                             
* وعن مقولة أنه " ليس عيداً للحب بل هو عيداً للسفور والفجور يلوث القلوب والعقول وفيه تقع المُنكرات كما يريد من التجار الإمتناع عن بيع الأشياء التى تباع فى عيد الحب وعمل توعية للشباب والفتيات بالإمتناع عن شرائها وعدم الإحتفال بالحب من أساسه. 
 
فلا أدرى ما هذه المخلوقات الكارهة لنفسها وللحياة ولكل شئ حولها فكيف يُريدون هؤلاء العيش بدون حُب ، فالحُب هو سر الحياة ، فهو لا يقل أهمية عن المأكل والمأوى والأكسُجين بل لا أبالغ إن قلت أن الحب هو بالفعل الأكسُجين الذى يستنشقه الإنسان ليستطيع أن يعيش  "  فالحُب هو الذى يجعلنا نستمر فى الحياة رغم قساوتها وصعوبتها ووعورتها وخشونتها ، وأقصد الحُب بمُختلف أشكاله ، سواء الحب عموماً وهو الحب لكل شئ حولنا ، كل ما أعطانا الله من نِعَم ، سواء حب حياتنا ذاتها أوعملنا أو حُب الوطن والدين والله ذاته أو حب الأهل والأصدقاء ، أو الحب الخاص بين رجل وأمرأة فهذا ليس "عيب أو حرام" طالما أنه لم يخرج عن الأخلاقيات  فقد خلق الله لأدام حواء "مُعين نظيره" ولا يستطع أى طرف من الجنسين أن يحيا بدون الآخر ولا يوجد هناك مانع فى أن يُعبر حبيبين عن حُبهما لبعضهما البعض فهذه ليست بخطيئة فالحب موجود قِدم خليقة الإنسان ويحدث يومياً ولا يوجد له زمن أو دين مُعين ولا ينفرد به جنس بعينه دون الآخر ، لكن الغرض من وجود يوم مُحدد كعيد للحب هو مُجرد تذكار ،لأن الإنسان مع إزدحام الحياة قد ينسى أن يُعبر لحبيبه عن مشاعره وقد يكون الحبيب أو الحبيبة هم الزوج أو الزوجة أو حتى المُقبلين على الزواج أو على الخطوبة فيكون تذكار لحب قد كُلل بالزواج أو سَيُكلل أو حتى يكون حب برئ فهناك كثير من الحالات يحب فيها الإنسان فى صمت بدون أن يشعر حبيبه أنه يحبه  فما المفاسد فى ذلك!!

فالمفاسد توجد فقط فى عقول من يتصوروها ومن يعتقدون أن الناس لا تعرف سوى العلاقات الأثمة ويشككون فى نوايا البشر فلا يعرفون أن هناك حب نقى خاص بالمشاعر وليست للغرائز والمُراد من عيد الحب هو أن يفتقد كل حبيب حبيبه فى هذا اليوم ولو بكلمة رقيقة تنبعث من قلبه  حتى ولو أختُذِلت فقط فى كلمة "أحبك" ولكن الإنسان الكاره للحياة والكاره للآخر هو من يتضرر من الإحتفال بالحب لأن قلبه مملوء بالحقد والحسد والكراهية ولا يستطع أن يحب

وفى رأيى أنه من الصعب أن يجد له حبيب " ففاقد الشئ لا يُعطيه" وبالتالى يريد أن يكون الجميع  مثله لا يسعدون بالحب و يمتنعون عن الإحتفال به أو التعبير عنه لمن يحبون عن طريق شراء الهدايا المُعبرة عن ذلك لأنه لن يستطع أن يفعل مثلهم أو يشاركهم فيما يحسدهم عليه فى قرارة نفسه ، فعندما يشعر الإنسان أنه جميل من الداخل حينها يُحب ، وعندما يصل للجمال الداخلى سيشعر أنه جميل من الخارج أيضاً حتى لو لم يتمتع بقسط من الجمال المظهرى أى " جمال الشكل أو الصورة" وهذا ينعكس على حياته وعلى تعامله مع الآخرين فيشعر أنه يحب الجميع وأن الدنيا تختلف ملامحها وألوانها وتنتهى معها النظرة السودوية للحياة وتبدأ القلوب تنبض بالحب وتتمنى الخير للجميع "فكن جميلاً تر الوجود جميلاً" وسأقتبس بعض المُقتطفات المُتفرقة من أبيات الشعر للشاعر العظيم "إيليا أبو ماضى" فى هذا الأمر عندما قال :

أيّها الشّاكي وما بك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلا؟
انّ شرّ الجناة في الأرض نفس تتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا
والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا
ليس أشقى مّمن يرى العيش مُراً ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس عللّوها فأحسنوا التّعليلا
فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا
أيّها الشّاكي وما بك داء كن جميلا تر الوجود جميلا 
 
* أما عن حثهم على منع الناس من بيع وشراء هدايا عيد الحب فلا أعرف ماذا سيستفدون من الخسائر التى ستقع على التجار لو أمتنعوا عن بيع هذه البضائع الموسمية التى ينتظرونها من العام للعام ، ولما يتضررون من شراء الناس " للقلوب والدباديب "
الذى يتبادلونها فى هذا اليوم فربما تكون القلوب والدباديب مسيحية أو يهودية الديانة !!أو ربما القلوب تذكرهم بالرحمة والمحبة وهذه الصفات يبغضونها لأنهم ينتمون للفكر التدميرى.  

 * وعن وصف عيد الحب بأنه عيد للسفور والفجور يلوث القلوب والعقول فأقول أن الحب موجود سواء أحتفلنا بعيده أو لم نحتفل فلو كان الحب من وجهة نظركم سفور وفجور فهذا معناه أن السفور والفجور متواجد يومياً لأن الناس أحَبَت وتُحب وستُحب إلى يوم القيامة فكيف يلوث الحب القلوب والعقول ، وهو الذى يُرقى ويُهذب فكر ومشاعر الإنسان بل الحب هو الذى يرتقى بالإنسان ولا يجعله شبيهاً للحيوان فى شهواته وغرائزه  فالذى يُميز الإنسان عن أى مخلوقات آخرى هو الحب والمشاعر السامية الذى خلقها الله بنا دون سائر مخلوقاته فقد جعلها موجودة فى الإنسان بالفِطرة قبل أن يتخللها عوامل بيئته وتربيته الذى قد تجعل قلبه ملئ بالكراهية والحقد والسواد .
 
* فقد قالوا عن الحب أنه " هو قطرة الماء فى صحراء جرداء ، وشمعة تُنير فى ظلام دامس ووهم لدى الذين لا يعرفونه " وهناك مثل ألمانى يقول أن " الحب يرى الورود بلا أشواك" وقالوا أيضاً عنه أنه كلما أزداد حبنا تضاعف خوفنا من الإساءة إلى من نحب، وعندما نيأس من الحياة ونفقد معناها ونضل فى بحر همومها نتطلع إلى وجه من نحب فنجد فى وجهه الملجأ والملاذ والنجاة فيتجدد الأمل بنا ونرى الدنيا بشكل مُختلف ، وقال وليم شكسبير عنه " ما أقوى الحب، يجعل من الوحش إنساناً ، وحيناً يجعل الإنسان وحشاً أى "فى دفاع الحبيب عن حبيبه "، وآخيراً قال الكاتب الساخر الراحل جلال عامر قبل الرحيل بقليل موصياً الحبيب على حبيبته قائلا ولو كان قد مزجه بسخرية من الوضع الحالى بعد الثورة فقد قال" عندما تشعر حبيبتك بالضعف كُن لها أباً ، وعندما تبكى كُن لها أماً! وعندما تثور وتغضب كُن لها مجلس عسكرياً، إضحك عليها وقولها ثورتك نجحت .
 
* وآخيراً أقول لم ولن يستطع أحد أن يمنع إقتحام الحب للقلوب وبالتالى لا يستطع أحد أن يتصدى للإحتفال به كما حدث من طُلاب الجامعات بالمنصورة الذين تصدوا للمُتطرفين الذين حاولوا منعهم من الإحتفال بالحب يوم عيده ورأينا مشهد القلب الذى مزقه هؤلاء المُتطرفون بعد أن قام الطلبة والطالبات بوصله مرة آخرى فلن يستطع أحد أن يمنع الإحتفال بعيد الحب لأنه يستحيل أن يجف الحب من القلوب فهو شريان الحياة ، لكن لو أستطعتم فأمنعوا الحب ذاته وليس عيده فلم يكن عيد الحب هو نشر الفسق والفجور كلا بل أنتم من تريدون نشر التخلف والجهل والكراهية ، فُتفسرون كل شئ كما تُريدون فتلوثون المُقدسات وتشوهون أسمى وأنقى شئ عرفه الإنسان ، فإذا أردتم الإمتناع عن الإحتفال بعيد الحب أو حتى الإمتناع عن الحب نفسه  وهذا إذا كُنتم تعرفونه  فلكم ما تشاؤون لكن لا تفرضون على غيركم أفكاركم المُتعفنة والتى لم يأتى لنا الزمن بشبيهاً لها ، فالحب قديم قِدم البشرية والإحتفال به ليس بجديد بل موجود مُنذ أيام أجدادنا الفراعنة  أى عيد مصرى أصيل حتى لو أختلف توقيته عن توقيت العيد المنسوب للقديس فالنتين شهيد الحب الذى ضحى بنفسه من أجل إسعاد غيره من الأحباء والذى تمم لهم مراسم زواجهم على حساب حياته فحينئذ كان الحاكم مانعاً للزواج فيبدو أنكم أتباع هذا الحاكم الظالم ولا تنتسبون لمصر وحضارتها العريقة الراقية على مر العصور ، فسًنُحب ما حيينا ، فسَنُحب رغم أُنوفكم.
 
إلى كل قرائى الأعزاء
كل عيد حب وأنتم بخير وفى قمة الحب وبتحبوا وتتحبوا دايماً يارب ويبعد عن مصر كل أعداء المحبة




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :