بقلم : أرمنيوس المنياوي
حضرت منذ أيام قليلة بدعوة من الصديق الدكتور إيهاب الخراط استشاري نفسي ورئيس مركز الحرية للتعافي من الأدمان وبحضور الدكتور محمود عيد من الصندوق القومي للإدمان بوزارة التضامن، ورشة عمل تحت عنوان ( التجاوب المجتمعي مع الإدمان في مصر ..التحديات والفرص ) وذلك بمدينة الإسماعيلية. الحقيقة عنوان الورشة شدني وكلمة التعافي جعلتني أتساءل في دهشة ماهي علاقة المخدرات بتلك المسميات.
في تلك الورشة والتي حضرها برلمانيون ورجال دين إسلامي ومسيحي، أكتشفنا نحن الحضور من خلال ما قاله الدكتور إيهاب الخراط والدكتور محمود عيد في كلماتهما في تلك الورشة أننا أمام مشكلة كبيرة، وتهدر الكثير من مقومات الدولة المصرية سواء من سواعد أبنائها الذين يقعون فريسة لهذا الوباء اللعين المسماه بإدمان المخدرات، ونتائجه السيئة مركبة، منها إهدار صحة شباب في عمر الزهور مما يضيع على الدولة فرصة استثمار طاقات هؤلاء الشباب في العمل والإنتاج،وأيضا نفقات علاج هؤلاء الشباب من هذا المرض اللعين، وأننا أمام تحدي جديد والدولة المصرية قادرة بإذن الله على مواجهته للاستفادة من كل سواعد أبنائها.
على اية حال فأن الورشة قد كشفت عن وجود أزمة في علاج وتعافي هؤلاء المدمنين من هذا المرض وأن العلاج الأمني وحده ليس كافيا والذي ينتهي عند أن يتم القبض على مدمن المخدرات، والزج به داخل السجن بل إن مرحلة مابعد خروجه من السجن، إذا كان قد تم القبض عليه أو من لديه رغبة في الإقلاع عن هذا الوباء،وايضا مرحلة ما بعد الإقلاع عن المخدرات والعلاج منها وهي مرحلة التعافي أي مرحلة بدء عودة الشخص للوعي مجددا وإدماجه في المجتمع ليعود شخصا جديدا أو صاغ سليما قادرا على العمل والإنتاج، هي المرحلة الأكثر صعوبة وتحديا للدولة والمجتمع معا
وبالبحث عن حلول من خلال تلك الورشة وجد أن هناك مشكلة كشفت عنها المتحدثون وأوراق عمل الورشة وهي أن ثمة دراسة علمية قالت أن في مصر ما لايقل عن ٣ مليون مدمن يحتاجون للعلاج والتعافي من الإدمان وهو الأمر الذي يتطلب معه توفير ٣٠ ألف سرير على الاقل في المرحلة الحالية تكون مخصصة لعلاج وتعافي الواقعين تحت براثن الإدمان ولديهم الرغبة في العلاج والعودة إلي المجتمع، وأن المشكلة تتمثل في انه لا يوجد في مصر إلا سبعة ألاف سرير فقط حسبما ذكرت التقارير وهو رقم ضئيل بالمقارنة بما نحتاجه من أسر لإستيعاب الراغبين في العلاج، مما يتتطلب من الدولة متمثلة في الجهات المعنية ولاسيما وزارتي التضامن والصحة ضرورة العمل على إيجاد مخرج مقنع للوصول إلي حلول مناسبة لتلك القضية والتي تؤرق الكثير من الأسر المصرية، منها أن تشجع وزارة التضامن جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بأن تساعد في كيفية علاج تلك المشكلة من خلال توحيد جهة الإختصاص والإجراءات الخاصة بالدخول في هذا المجال، حتى لا تتحمل الدولة ممثلة في الحكومة وزر تلك المشكلة الخطيرة.
على اية حال هذا الموضوع يمثل خطورة كبيرة بالفعل ليس في عدد المدمنين فقط، بل في كيفية توفير سبل علاج هؤلاء المرضي لصعوبة وجود أماكن تستوعب هؤلاء المرضي وهو أمر مثلما أشار إليه بعض المتخصصين في الورشة إلي وجود قصور في القوانين الحالية التي تنظم ذلك الأمر ولابد من ضرورة إصدار تشريع جديد يتغلب على عيوب او قصور هذه القوانين لكي يكون التشريع الجديد قادرا على ان يحدد ويقنن وجود وفرة من أماكن العلاج لإستيعاب هذا الرقم من المدمنيين الباحثين عن العلاج، وتحفيز المجتمع المدني لتفعيل دوره في هذا الأمر، خلال السنوات القليلة المقبلة،أمرا في غاية الأهمية وذلك للحد من أعداد المدمنيين التى ربما تتزايد لو لم يكن لدينا مخطط نموذجي كافي من اماكن التعافي من الإدمان، ولاسيما إذا أدركنا اننا لا نملك إلا سبعة ألاف سرير فقط جاهزة لاستقبال الراغبين في التعافي من الإدمان، منها برنامج الحرية ١٠٥٠ سرير وهو عدد ضئيل مقارنة بما لدينا من عدد كبير من الشباب يحتاجون للإستشفاء والتعافي، للحد من إهدار الكثير من ثروات مصر البشرية والمالية.
وبمناسبة هذا الأمر حضرت حفل مرور ثلاثين سنة على بدء مركز الحرية العمل في هذا المجال مساء أمس السبت بكنيسة قصر الدوبارة بحضور القس الدكتور أندرية زكي رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر والقس الدكتور سامح موريس رئيس مجلس أمناء مؤسسة الحرية وحضره كثرة من المعنيين بهذا الداء للبحث له عن دواء، وهو أمر يستحق الإشادة من القائمين على هذا العمل والذي يدخل في إطار الحفاظ على ثروات البلاد البشرية والمادية بطريقة غير مباشرة لمن يفهم.
يبقي في النهاية أن ملخص التخلص أو على الأقل الحد من تلك المشكلة هو ضرورة الإسراع في إصدار هذا التشريع والذي يعمل سرعة إجراءات تراخيص وتجهيز أماكن لعلاج هؤلاء المرضي من خلال وضع شروط في الإمكان تكون معها منظمات المجتمع المدني قادرة على المشاركة بقوة في وضع حلول لتلك المشكلة القائمة بالفعل والتي تؤرق أيضا بالاضافة الي العديد من الأسر المصرية، هي أيضا تؤرق الدولة المصرية، لأنها تأخذ من مقدراتها وقوتها، سواء البشرية أو الاقتصادية