بقلم: فرانسوا باسيلي
جلسات الصلح العرفي التي قام بها السلفيون في العامرية باسكندرية التي كانت عروس البحر الأبيض المتوسط وأصبحت عاصمة السلفية المستوردة إلي مصر، هي مصاطب بدوية لا تليق بمصر ولا بأي دولة حديثة، ولم تكن موجودة في مصر منذ سعد زغلول إلي عبد الناصر، ولم تظهر إلا بعد غسيل مخ المجتمع المصري من قبل الاخوان ثم السلفيين..مصر في ظل هؤلاء تخرج من العصر تماما بل تخرج من جلدها لأن مصر - قبل الاخوان والسلفيين كانت دائماً - منذ مينا موحد القطرين - دولة قوية بها قانون وقضاء محترم وليس مصاطب الإرهاب والتهجير الجماعي الإجرامي.
أسفرت هذه الجلسات الجاهلية عن إجبار ثمانية عائلات قبطية بأكملها، برجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها - تحت التهديد السافر بما هو أشد - علي ترك بيوتها ومتاجرها وأملاكها والرحيل عن مسقط رأسهم إتقاء لشر من قاموا "بالصلح"، هذه الجريمة ضد الانسانية وقعت تحت سمع المجلس العسكري وبصره وبمعرفة ضابط شرطة مسؤل، وبعد عشرة أيام علي هذه الجريمة ما زال المجلس العسكري يتجاهلها تماما وكأنها قد حدثت في بلد لا علاقة له به. كما لم يقم مجلس الشعب بقبول طلب التحقيق في الحادثة المقدم من قبل بعض الأعضاء الليبراليين واليساريين.
التطهير العرقي - أي إبادة شعب - يبدأ دائمأ بالتهجير الجماعي له، وهذا ما فعلوه بالأقباط في العامرية، بعد أن فعلوه بالأقباط في عدة قري في عهد المجلس العسكري، وإلي ألان لم يتحرك مجلس الشعب حتي بطلب التحقيق، هو إذن مشارك في الجريمة بصمته عنها.
هناك دائما تبريرات بائسة لكل جريمة، وهل علاقة بين رجل وامرأة ناضجين وليسا قصرا، حتي إن صحت، وهناك شكوك حول هذا، يعني أن نقوم بتهجير عائلات قبطية بأكملها من القرية أم نطبق القانون؟ علينا أن نختار إما أن تكون مصر دولة قانون أو عزبة لعصابة مافيا كما كانت في عهد المخلوع، ولكننا في عهد الثورة وهو ما يجعل الموضوع أكثر بشاعة وخطراً. إن لم يقوم المجلس العسكري بمسئوليته بالتحقيق الشفاف وتقديم المتورطين في جريمة التهجير الجماعي للأقباط وجرائم حرق وهدم وسرقة متاجرهم إلي المحاكمة وتطبيق القانون فعليه وحده تحمل نتائج اهماله الجسيم الذي يجعله مشاركا بالصمت في جريمة ضد الانسانية.
هل أصبحت مصر دولة دينية؟ لاحظ أن الصفة التي يوصف بها الشيخ حافظ إسماعيل في كل مكان هي المرشح السلفي. أي أن هويته الدينية هي أهم ما يميزه..هل كان سعد زغلول يقال عنه "المرشح السني"؟ هل كان مكرم عبيد يقال عنه النائب القبطي؟ لا. هل تعرفون ماذا كان لقب مكرم عبيد؟ إنه "المجاهد الاكبر". مصر الدولة تتحول إلي دولة دينية بعد أن تسبب السادات والمخلوع في تحويل المجتمع المصري إلي مجتمع متهوس دينيا، ولا أقول مجتمع فاضل.
هل أصبحت مصر دولة دينية؟ الشيخ حسان يطلب عدم أخذ معونات خارجية، هل أصبح مستشارا سياسيا وإقتصاديا أيضا؟ هل سيقوم الدعاة برسم سياسة مصر الخارجية؟؟ هذا ما حذرنا منه ولم يستمع المجلس العسكري المتواطيء مع احزاب الاخوان والسلفيين. هذا طريق منحدر يؤدي إلي هاوية الدولة الدينية وهي هاوية مظلمة، لا أريد الشيخ حسان ولا البابا شنودة أن يتدخل في السياسة وكل الدول الديمقراطية تفصل بين الإثنين ومشكلة مصر أنها علي الطريق الذي يؤدي إلي الدينوقراطية وليس الديمقراطية.
أنا لا أناقش جدوى دعوة الشيخ حسان وقد تكون جيدة وهو ليس أول من دعا إليها و شخصيا أنا متفق مع الفحوى ولكن المسألة هي في المبدأ، أدعو أن يلتزم رجال الدين بالدعوة الدينية فقط وأي خلط بين الدين والسياسة يفسد كل شيء لأني استطيع أن أقول للسياسي أن فكرته خطأ ولكن حين تقول هذا للداعية يبدأ في تخويفك بنصوص مقدسة يدعي أنها تؤيد فكرة وتجد نفسك أصبحت فجأة عدوا للدين وليس مختلفا مع فكر سياسي، هنا تكمن الخطوره، لو ترك الغرب الحبل علي الغارب لرجال الدين ليتدخلوا في السياسة أو الاقتصاد، لما تقدم أو تحرر، هذا درس لا نتحمل أن ننساه وإلا لن تتقدم مصر في هذا القرن.
أنك لو قبلت أن يفتيك رجل الدين في شأنك السياسي أو الإقتصادي فعليك تحضير نفسك عندما يقول لك أنه إذن المؤهل لأن يحكمك ويحدد لك ماذا تأكل وماذا تشرب، ماذا تلبس وماذا لا تلبس، كيف تسافر ومع من تسافر ولا تسافر، كيف تدخل المرحاض وكيف تخرج منه، هل تخرج المرأة للعمل أم تجلس في البيت، هل تعمل بجانب الرجل أم من وراء حجاب، من هو المسلم الصالح ومن هو المسلم المارق الذي يطبق عليه الحد، كل هذا وأكثر هو ما ينتظر من يسلمون رقبة حريتهم لرجال الدين الذين يريدون إستعباد خلق الله بدعوى أن لديهم توكيلا حصريا بتفسير النصوص المقدسة والتحدث بإسم السماء. إن كانت العبوديه لهؤلاء تستهويكم فهللوا لها إذن فهي قادمة إن لم تعوا.